وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَيْضًا، لِأَنَّهُ لَوْ شَرَطَ الْبَذْرَ وَالْبَقَرَ عَلَيْهِ يَجُوزُ فَكَذَا إذَا شُرِطَ وَحْدَهُ وَصَارَ كَجَانِبِ الْعَامِلِ. وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ مَنْفَعَةَ الْبَقَرِ لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ. لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْأَرْضِ قُوَّةٌ فِي طَبْعِهَا يَحْصُلُ بِهَا النَّمَاءُ،
مَعْلُومٍ لَكَانَتْ الْمُزَارَعَةُ جَائِزَةً عَلَى مُقْتَضَى الْقِيَاسِ أَيْضًا.
وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْقِيَاسَ يَقْتَضِي أَنْ لَا تَجُوزَ الْمُزَارَعَةُ مُطْلَقًا لِكَوْنِهَا اسْتِئْجَارًا بِبَعْضِ الْخَارِجِ. وَهُوَ لَا يَجُوزُ لَكِنَّا جَوَّزْنَاهَا فِيمَا إذَا كَانَتْ اسْتِئْجَارَ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ أَوْ الْعَامِلِ اسْتِحْسَانًا بِالنَّصِّ وَالتَّعَامُلِ وَلَمْ نُجَوِّزْهَا فِيمَا سِوَى ذَلِكَ عَمَلًا بِالْقِيَاسِ لِعَدَمِ وُرُودِ الشَّرْعِ بِهِ فِيهِ. فَالْحَقُّ فِي تَعْلِيلِ جَوَازِ هَذَا الْوَجْهِ أَنْ يُقَالَ: لِأَنَّهُ اسْتِئْجَارُ الْأَرْضِ بِبَعْضِ الْخَارِجِ وَهُوَ جَائِزٌ بِالنَّصِّ وَتَعَامُلِ الْأُمَّةِ (قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَيْضًا. لِأَنَّهُ لَوْ شُرِطَ الْبَذْرُ وَالْبَقَرُ عَلَيْهِ يَجُوزُ فَكَذَا إذَا شُرِطَ وَحْدَهُ وَصَارَ كَجَانِبِ الْعَامِلِ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَوَجْهُ غَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مَا قَالَ فِي الْكِتَابِ: لَوْ شُرِطَ الْبَذْرُ وَالْبَقَرُ عَلَيْهِ: أَيْ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ جَازَ، فَكَذَا إذَا شُرِطَ الْبَقَرُ وَحْدَهُ وَصَارَ كَجَانِبِ الْعَامِلُ إذَا شُرِطَ الْبَقَرُ عَلَيْهِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْبَذْرَ إذَا اجْتَمَعَ مَعَ الْأَرْضِ اسْتَتْبَعَتْهُ لِلتَّجَانُسِ وَضَعْفِ جِهَةِ الْبَقَرِ مَعَهُمَا فَكَانَ اسْتِئْجَارًا لِلْعَامِلِ، وَأَمَّا إذَا اجْتَمَعَ الْأَرْضُ وَالْبَقَرُ فَلَمْ تَسْتَتْبِعْهُ، وَكَذَا فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ فَكَانَ فِي كُلٍّ مِنْ الْجَانِبَيْنِ مُعَارَضَةٌ بَيْنَ اسْتِئْجَارِ الْأَرْضِ وَغَيْرِ الْأَرْضِ وَالْعَامِلِ وَغَيْرِهِ فَكَانَ بَاطِلًا اهـ أَقُولُ: فِي هَذَا الْجَوَابِ بَحْثٌ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ الْبَذْرَ إذَا اجْتَمَعَ مَعَ الْأَرْضِ تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ رَبُّ الْأَرْضِ مُسْتَأْجِرًا وَالْعَامِلُ أَجِيرًا فَلَا يَبْقَى لِحَدِيثِ اسْتِتْبَاعِ الْأَرْضِ الْبَذْرَ مَحَلٌّ لِأَنَّ الْمَصِيرَ إلَيْهِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ لُزُومُ اسْتِئْجَارِ الْبَذْرِ أَصَالَةً، وَإِذَا تَعَيَّنَ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الصُّورَةُ مِنْ قَبِيلِ اسْتِئْجَارِ الْعَامِلِ دُونَ الْجَانِبِ الْآخَرِ لَمْ يَبْقَ احْتِمَالُ لُزُومِ اسْتِئْجَارِ الْبَذْرِ، سَوَاءٌ اسْتَتْبَعَتْهُ الْأَرْضُ أَمْ لَا فَلَمْ يَكُنْ لِلِاسْتِتْبَاعِ تَأْثِيرٌ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ قَطُّ.
وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ فَكَانَ فِي كُلٍّ مِنْ الْجَانِبَيْنِ مُعَارَضَةٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute