(وَإِنْ كَانَ الْأَرْضُ لِوَاحِدٍ وَالْعَمَلُ وَالْبَقَرُ وَالْبَذْرُ لِوَاحِدٍ جَازَتْ) لِأَنَّهُ اسْتِئْجَارُ الْأَرْضِ بِبَعْضٍ مَعْلُومٍ مِنْ الْخَارِجِ فَيَجُوزُ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَهَا بِدَرَاهِمَ مَعْلُومَةٍ (وَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ وَالْبَذْرُ وَالْبَقَرُ لِوَاحِدٍ وَالْعَمَلُ مِنْ آخَرَ جَازَتْ) لِأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ لِلْعَمَلِ بِآلَةِ الْمُسْتَأْجِرِ فَصَارَ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَ خَيَّاطًا لِيَخِيطَ ثَوْبَهُ بِإِبْرَتِهِ أَوْ طَيَّانًا لِيُطَيِّنَ بِمَرِّهِ (وَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ وَالْبَقَرُ لِوَاحِدٍ وَالْبَذْرُ وَالْعَمَلُ لِآخَرَ فَهِيَ بَاطِلَةٌ) وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ مَسَائِلَ الْمُزَارَعَةِ فِي الْجَوَازِ وَالْفَسَادِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَصْلٍ وَهُوَ أَنَّ الْمُزَارَعَةَ تَنْعَقِدُ إجَارَةً وَتَتِمُّ شَرِكَةً، وَانْعِقَادُهَا إجَارَةً إنَّمَا هُوَ عَلَى مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ أَوْ عَلَى مَنْفَعَةِ الْعَامِلِ دُونَ مَنْفَعَةِ غَيْرِهِمَا مِنْ مَنْفَعَةِ الْبَقَرِ وَالْبَذْرِ لِأَنَّهَا اسْتِئْجَارٌ بِبَعْضِ الْخَارِجِ. وَهُوَ لَا يَجُوزُ قِيَاسًا لَكِنَّا جَوَّزْنَاهُ فِي الْأَرْضِ وَالْعَامِلِ لِوُرُودِ الشَّرْعِ بِهِ فِيهِمَا. أَمَّا فِي الْأَرْضِ فَأَثَرُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ﵁ وَتَعَامُلُ النَّاسِ. وَأَمَّا فِي الْعَامِلِ فَعَمَلُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَعَ أَهْلِ خَيْبَرَ. وَالتَّعَامُلُ لَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِهِ فِي الْبَذْرِ وَالْبَقَرُ فَأَخَذْنَا فِيهِمَا بِالْقِيَاسِ. فَكُلُّ مَا كَانَ مِنْ صُوَرِ الْجَوَازِ فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ اسْتِئْجَارِ الْأَرْضِ أَوْ الْعَامِلِ بِبَعْضِ الْخَارِجِ أَوْ كَانَ الْمَشْرُوطُ عَلَى أَحَدِهِمَا شَيْئَيْنِ مُتَجَانِسَيْنِ وَلَكِنَّ الْمَنْظُورَ فِيهِ هُوَ اسْتِئْجَارُ الْأَرْضِ أَوْ الْعَامِلِ بِبَعْضِ الْخَارِجِ لِكَوْنِهِ مَوْرِدَ الْأَثَرِ، وَكُلُّ مَا كَانَ مِنْ صُوَرِ عَدَمِ الْجَوَازِ فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ اسْتِئْجَارِ الْآخَرِينَ، أَوْ كَانَ الْمَشْرُوطُ عَلَى أَحَدِهِمَا شَيْئَيْنِ غَيْرَ مُتَجَانِسَيْنِ فَلَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا تَبَعًا لِلْآخَرِ وَلَكِنَّ الْمَنْظُورَ فِيهِ هُوَ اسْتِئْجَارُ غَيْرِ الْأَرْضِ وَالْعَامِلِ بِبَعْضِ الْخَارِجِ لِعَدَمِ وُرُودِ الشَّرْعِ فِي غَيْرِهِمَا، وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ الَّذِي تَدُورُ عَلَيْهِ مَسَائِلُ الْمُزَارَعَةِ. كَذَا فِي الشُّرُوحِ، وَأَشَارَ إلَيْهِ فِي الذَّخِيرَةِ وَجَامِعِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ.
ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الْعِنَايَةُ بَعْدَ مَا ذَكَرَ الْأَصْلَ الْمَزْبُورَ قَالَ: فَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَلَا عَلَيْنَا فِي تَطْبِيقِ الْوُجُوهِ عَلَى الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ. فَأَمَّا الْوَجْهُ الْأَوَّلُ فَهُوَ مِمَّا كَانَ الْمَشْرُوطُ عَلَى أَحَدِهِمَا شَيْئَيْنِ مُتَجَانِسَيْنِ، فَإِنَّ الْأَرْضَ وَالْبَذْرَ مِنْ جِنْسٍ وَالْعَمَلَ وَالْبَقَرَ مِنْ جِنْسٍ وَالْمَنْظُورُ إلَيْهِ الِاسْتِئْجَارُ يُجْعَلُ كَأَنَّ الْعَامِلَ اسْتَأْجَرَ الْأَرْضَ أَوْ رَبُّ الْأَرْضِ اسْتَأْجَرَ الْعَامِلَ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي وَالثَّالِثُ مِمَّا فِيهِ اسْتِئْجَارُ الْأَرْضِ وَالْعَامِلِ. وَأَمَّا الْوَجْهُ الرَّابِعُ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَبَاطِلٌ، لِأَنَّ الْمَشْرُوطَ شَيْئَانِ غَيْرُ مُتَجَانِسَيْنِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا تَابِعًا لِلْآخَرِ، بِخِلَافِ الْمُتَجَانِسَيْنِ فَإِنَّ الْأَشْرَفَ أَوْ الْأَصْلَ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَتْبِعَ الْأَخَسَّ وَالْفَرْعَ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ. أَقُولُ: فِيهِ خَلَلٌ، لِأَنَّهُ جَوَّزَ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ أَنْ يَجْعَلَ الْعَامِلَ مُسْتَأْجِرًا الْأَرْضَ وَأَنْ يَجْعَلَ رَبَّ الْأَرْضِ مُسْتَأْجِرًا الْعَامِلَ وَلَا مَجَالَ فِيهِ لِلْأَوَّلِ، بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَأْجِرُ فِيهِ هُوَ رَبُّ الْأَرْضِ لِأَنَّ الْبَذْرَ كَانَ مِنْ قِبَلِهِ فِي هَذَا الْوَجْهِ، وَقَدْ تَقَرَّرَ فِيمَا مَرَّ فِي الشَّرْطِ الرَّابِعِ مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الْمُزَارَعَةِ عِنْدَهُمَا أَنَّ الْبَذْرَ إذَا كَانَ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْأَرْضِ كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مَنَافِعَ الْعَامِلِ فَكَانَ الْمُسْتَأْجِرُ هُوَ رَبَّ الْأَرْضِ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ مُسْتَأْجِرًا فِيمَا إذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِهِ، إذْ يَكُونُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ مَنَافِعَ الْأَرْضِ، وَعَنْ هَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيلِ جَوَازُ الْمُزَارَعَةِ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ: لِأَنَّ الْبَقَرَ آلَةُ الْعَمَلِ فَصَارَ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَ خَيَّاطًا لِيَخِيطَ بِإِبْرَةِ الْخَيَّاطِ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ التَّصْرِيحِ بِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ فِي هَذَا الْوَجْهِ هُوَ رَبُّ الْأَرْضِ وَالْعَامِلَ هُوَ الْأَجِيرُ كَالْخَيَّاطِ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ لِوَاحِدٍ وَالْعَمَلُ وَالْبَقَرَةُ وَالْبَذْرُ لِوَاحِدٍ جَازَتْ لِأَنَّهُ اسْتِئْجَارُ الْأَرْضِ بِبَعْضٍ مَعْلُومٍ مِنْ الْخَارِجِ فَيَجُوزُ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَهَا بِدَرَاهِمَ مَعْلُومَةٍ) أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ، إذْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ اسْتِئْجَارُ الْأَرْضِ بِبَعْضٍ مَعْلُومٍ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَهَا بِدَرَاهِمَ مَعْلُومَةٍ، فَإِنَّ اسْتِئْجَارَ الْأَرْضِ بِبَعْضٍ مِنْ الْخَارِجِ اسْتِئْجَارٌ بِبَعْضٍ مَجْهُولٍ أَوْ مَعْدُومٍ، وَكُلُّ ذَلِكَ مُفْسِدٌ كَمَا مَرَّ فِي دَلِيلِ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الْمُزَارَعَةِ، كَيْفَ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ اسْتِئْجَارًا بِبَعْضٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute