للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِخِلَافِ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ ضَرَرٌ بِالْعَامِلِ فَيُحَافِظُ فِيهِمَا عَلَى الْقِيَاسِ (وَلَوْ مَاتَ رَبُّ الْأَرْضِ قَبْلَ الزِّرَاعَةِ بَعْدَ مَا كَرَبَ الْأَرْضَ وَحَفَرَ الْأَنْهَارَ انْتَقَضَتْ الْمُزَارَعَةُ) لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ مَالٍ عَلَى الْمُزَارِعِ (وَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ بِمُقَابَلَةِ مَا عَمِلَ) لِمَا نُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

(وَإِذَا فُسِخَتْ الْمُزَارَعَةُ بِدَيْنٍ فَادِحٍ لَحِقَ صَاحِبَ الْأَرْضِ فَاحْتَاجَ إلَى بَيْعِهَا جَازَ) كَمَا فِي الْإِجَارَةِ (وَلَيْسَ لِلْعَامِلِ أَنْ يُطَالِبَهُ بِمَا كَرَبَ الْأَرْضَ وَحَفَرَ الْأَنْهَارَ بِشَيْءٍ)

وَاعْلَمْ أَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ وَإِذَا مَاتَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بَعْدَ الزَّرْعِ لِأَنَّ الَّذِي يَكُونُ قَبْلَهُ مَذْكُورٌ فِيمَا يَلِيه، وَلَمْ يُفَصِّلْ بَيْنَ مَا إذَا نَبَتَ الزَّرْعُ أَوْ لَمْ يَنْبُتْ. وَلَكِنَّهُ ذَكَرَ جَوَابَ النَّابِتِ فِي قَوْلِهِ (وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ) فَلَمَّا نَبَتَ الزَّرْعُ فِي السَّنَةِ الْأُولَى وَلَمْ يَذْكُرْ جَوَابَ مَا لَمْ يَنْبُتْ عِنْدَ مَوْتِهِ، وَلَعَلَّهُ تَرَكَ ذَلِكَ اعْتِمَادًا عَلَى دُخُولِهِ فِي إطْلَاقِ أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ، لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةُ إنَّمَا هُوَ جَوَابُ الْقِيَاسِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ قَاطِبَةً فَيَدْخُلُ فِيهِ مَا نَبَتَ الزَّرْعُ عِنْدَ مَوْتِهِ وَمَا لَمْ يَنْبُتْ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مُرَادَهُ بِالْجَوَابِ فِي قَوْلِهِ وَلَكِنَّهُ ذَكَرَ جَوَابَ النَّابِتِ فِي قَوْلِهِ فِي وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ: فَلَمَّا نَبَتَ الزَّرْعُ فِي السَّنَةِ الْأُولَى وَلَمْ يَذْكُرْ جَوَابَ مَا لَمْ يَنْبُتْ عِنْدَ مَوْتِهِ إنَّمَا هُوَ جَوَابُ الِاسْتِحْسَانِ، فَكَيْفَ يَتِمُّ قَوْلُهُ وَلَعَلَّهُ تَرَكَ ذَلِكَ اعْتِمَادًا عَلَى دُخُولِهِ فِي أَوَّلِ إطْلَاقِ الْمَسْأَلَةِ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ دُخُولَهُ فِي جَوَابِ الْقِيَاسِ لَا يَقْتَضِي دُخُولَهُ فِي جَوَابِ الِاسْتِحْسَانِ أَيْضًا، وَعَنْ هَذَا اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الذَّخِيرَةِ حَيْثُ قَالَ: وَإِذَا مَاتَ رَبُّ الْأَرْضِ بَعْدَ الزِّرَاعَةِ قَبْلَ النَّبَاتِ هَلْ تَبْقَى الْمُزَارَعَةُ؟ فِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ انْتَهَى.

(قَوْلُهُ وَإِذَا فُسِخَتْ الْمُزَارَعَةُ بِدَيْنٍ فَادِحٍ لِحَقِّ صَاحِبِ الْأَرْضِ فَاحْتَاجَ إلَى بَيْعِهَا جَازَ كَمَا فِي الْإِجَارَةِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: ثُمَّ هَلْ يُحْتَاجُ فِي فَسْخِ الْمُزَارَعَةِ إلَى قَضَاءِ الْقَاضِي أَوْ إلَى الرِّضَا؟ ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ فِيهِ اخْتِلَافُ الرِّوَايَاتِ فَقَالَ: لَا بُدَّ لِصِحَّةِ الْفَسْخِ مِنْ الْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا عَلَى رِوَايَةِ الزِّيَادَاتِ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْإِجَارَةِ، وَعَلَى رِوَايَةِ كِتَابِ الْمُزَارَعَةِ وَالْإِجَارَاتِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْقَضَاءِ وَلَا إلَى الرِّضَا، بَعْضُ مَشَايِخِنَا الْمُتَأَخِّرِينَ أَخَذُوا بِرِوَايَةِ الزِّيَادَاتِ، وَبَعْضُهُمْ أَخَذَ بِرِوَايَةِ الْأَصْلِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَالتَّشْبِيهُ بِالْإِجَارَةِ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ اخْتَارَ رِوَايَةَ الزِّيَادَاتِ فَإِنَّهُ عَلَيْهَا لَا بُدَّ لِصِحَّةِ الْفَسْخِ مِنْ الْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْإِجَارَةِ، وَعَلَى رِوَايَةِ كِتَابِ الْمُزَارَعَةِ وَالْإِجَارَاتِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى ذَلِكَ انْتَهَى أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ التَّشْبِيهَ بِالْإِجَارَةِ إنَّمَا يَصْلُحُ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّهُ اخْتَارَ رِوَايَةَ الزِّيَادَاتِ أَنْ لَوْ كَانَتْ الرِّوَايَةُ فِي الْإِجَارَةِ مَقْصُورَةً عَلَى افْتِقَارِ الْفَسْخِ فِيهَا إلَى الْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا، أَوْ كَأَنَّ الْمُصَنِّفَ قَدْ اخْتَارَ هُنَاكَ صَرِيحًا رِوَايَةَ افْتِقَارِ الْفَسْخِ إلَى أَحَدِهِمَا وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْهُمَا، فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ قَالَ هُنَاكَ: ثُمَّ قَوْلُ الْقُدُورِيِّ فَسْخُ الْقَاضِي إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يَفْتَقِرُ إلَى قَضَاءِ الْقَاضِي فِي النَّقْضِ، وَهَكَذَا ذَكَرَ فِي الزِّيَادَاتِ فِي عُذْرِ الدَّيْنِ.

وَقَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ عُذْرٌ فَالْإِجَارَةُ فِيهِ تَنْتَقِضُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى قَضَاءِ الْقَاضِي انْتَهَى فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَيْسَ لِلْعَامِلِ أَنْ يُطَالِبَهُ بِمَا كَرَبَ الْأَرْضَ وَحَفَرَ الْأَنْهَارَ بِشَيْءٍ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: الْفَسْخُ بَعْدَ عَقْدِ الْمُزَارَعَةِ وَعَمَلِ الْعَامِلِ يُتَصَوَّرُ فِي صُوَرٍ ثَلَاثٍ، ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ صُورَتَيْنِ مِنْهَا، وَهُمَا مَا إذَا فُسِخَ بَعْدَ مَا كَرَبَ الْأَرْضَ وَحَفَرَ الْأَنْهَارَ، وَمَا إذَا فُسِخَ بَعْدَ نَبَاتِ الزَّرْعِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَحْصَدَ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَا إذَا فُسِخَ بَعْدَ مَا زَرَعَ الْعَامِلُ الْأَرْضَ إلَّا

<<  <  ج: ص:  >  >>