لِأَنَّ الْمَنَافِعَ إنَّمَا تَتَقَوَّمُ بِالْعَقْدِ وَهُوَ إنَّمَا قُوِّمَ بِالْخَارِجِ فَإِذَا انْعَدَمَ الْخَارِجُ لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ (وَلَوْ نَبَتَ الزَّرْعُ وَلَمْ يُسْتَحْصَدْ لَمْ تُبَعْ الْأَرْضُ فِي الدَّيْنِ حَتَّى يُسْتَحْصَدَ الزَّرْعُ) لِأَنَّ فِي الْبَيْعِ إبْطَالَ حَقِّ الْمُزَارِعِ، وَالتَّأْخِيرُ أَهْوَنُ مِنْ الْإِبْطَالِ (وَيُخْرِجُهُ الْقَاضِي مِنْ الْحَبْسِ إنْ كَانَ حَبَسَهُ بِالدَّيْنِ لِأَنَّهُ لَمَّا امْتَنَعَ بَيْعَ الْأَرْضِ لَمْ يَكُنْ هُوَ ظَالِمًا وَالْحَبْسُ جَزَاءُ الظُّلْمِ).
أَنَّهُ لَمْ يَنْبُتْ بَعْدُ حَتَّى لَحِقَ رَبَّ الْأَرْضِ دَيْنٌ فَادِحٌ هَلْ لَهُ أَنْ يَبِيعَ الْأَرْضَ؟ ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ فِيهِ اخْتِلَافَ الْمَشَايِخِ، وَكَانَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الْعَتَّابِيُّ يَقُولُ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ فِي الْأَرْضِ عَيْنُ مَالٍ قَائِمٍ، لِأَنَّ التَّبْذِيرَ اسْتِهْلَاكٌ وَلِهَذَا قَالُوا: إنَّ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ فَسْخَ الْمُزَارَعَةِ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى اسْتِهْلَاكِ مَالِهِ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ يَحْصُلُ لَهُ فِي الْحَالِ، وَحُصُولُهُ فِي الثَّانِي غَيْرُ مَعْلُومٍ فَكَانَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ مَا قَبْلَ التَّبْذِيرِ.
وَكَانَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الْحَافِظُ يَقُولُ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ التَّبْذِيرَ اسْتِنْمَاءُ مَالٍ وَلَيْسَ بِاسْتِهْلَاكٍ؛ أَلَا يَرَى أَنَّ الْأَبَ وَالْوَصِيَّ يَمْلِكَانِ زِرَاعَةَ أَرْضِ الصَّبِيِّ وَلَا يَمْلِكَانِ اسْتِهْلَاكَ مَالِ الصَّبِيِّ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ لِلْمُزَارِعِ فِي الْأَرْضِ عَيْنُ مَالٍ قَائِمٍ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ: لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الصُّورَةَ الثَّالِثَةَ، وَهِيَ مَا إذَا فُسِخَ بَعْدَ مَا زَرَعَ الْعَامِلُ الْأَرْضَ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَنْبُتْ حَتَّى لَحِقَ رَبَّ الْأَرْضِ دَيْنٌ فَادِحٌ هَلْ لَهُ أَنْ يَبِيعَ الْأَرْضَ؟ فِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ فِي الْأَرْضِ عَيْنٌ قَائِمٌ، لِأَنَّ التَّبْذِيرَ اسْتِهْلَاكٌ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مَا قَبْلَ التَّبْذِيرِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ التَّبْذِيرَ اسْتِنْمَاءٌ وَلَيْسَ بِاسْتِهْلَاكٍ، وَلِهَذَا يَمْلِكُ الْأَبُ وَالْوَصِيُّ زِرَاعَةَ أَرْضِ الصَّبِيِّ وَلَا يَمْلِكَانِ اسْتِهْلَاكَ مَالِهِ فَكَانَ لِلْمُزَارِعِ فِي الْأَرْضِ عَيْنٌ قَائِمٌ، وَلَعَلَّ هَذَا اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ لِأَنَّ الْبَذْرَ إنْ كَانَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ لَمْ يَكُنْ فِيهَا مَالُ الْغَيْرِ حَتَّى يَكُونَ مَانِعًا عَنْ الْبَيْعِ، وَإِنْ كَانَ لِلْعَامِلِ فَقَدْ دَخَلَتْ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ انْتَهَى. أَقُولُ: إنَّ قَوْلَهُ وَإِنْ كَانَ لِلْعَامِلِ فَقَدْ دَخَلَتْ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ كَلَامٌ خَالٍ عَنْ التَّحْصِيلِ، لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِدُخُولِهَا فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ دُخُولَهَا فِي نَفْسِ الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ جِدًّا، إذْ قَدْ اعْتَبَرَ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ نَبَاتَ الزَّرْعِ وَفِي الصُّورَةِ الثَّالِثَةِ عَدَمَ نَبَاتِهِ، فَأَنَّى يُتَصَوَّرُ دُخُولُ إحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى.
وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ دُخُولَهَا فِي حُكْمِ الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ فَهُوَ صَحِيحٌ عَلَى قَوْلِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ، لَكِنْ لَا يَصْلُحُ لَأَنْ يَكُونَ وَجْهًا لِعَدَمِ ذِكْرِ تِلْكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute