قَالَ (وَالْمُحَرَّمُ) يَعْنِي مِنْ الصَّيْدِ (وَكَذَا لَا يُؤْكَلُ مَا ذُبِحَ فِي الْحَرَمِ مِنْ الصَّيْدِ) وَالْإِطْلَاقُ فِي الْمُحَرَّمِ يَنْتَظِمُ الْحِلَّ وَالْحَرَمَ، وَالذَّبْحُ فِي الْحَرَمِ يَسْتَوِي فِيهِ الْحَلَالُ وَالْمُحْرِمُ، وَهَذَا لِأَنَّ الذَّكَاةَ فِعْلٌ مَشْرُوعٌ وَهَذَا الصَّنِيعُ مُحَرَّمٌ فَلَمْ تَكُنْ ذَكَاةً، بِخِلَافِ مَا إذَا ذَبَحَ الْمُحْرِمُ غَيْرَ الصَّيْدِ أَوْ ذَبَحَ فِي الْحَرَمِ غَيْرَ الصَّيْدِ صَحَّ لِأَنَّهُ فِعْلٌ مَشْرُوعٌ، إذْ الْحَرَمُ لَا يُؤَمِّنُ الشَّاةَ، وَكَذَا لَا يَحْرُمُ ذَبْحُهُ عَلَى الْمُحْرِمُ.
قَالَ (وَإِنْ تَرَكَ الذَّابِحُ التَّسْمِيَةَ عَمْدًا فَالذَّبِيحَةُ مَيْتَةٌ لَا تُؤْكَلُ وَإِنْ تَرَكَهَا نَاسِيًا أُكِلَ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: أُكِلَ فِي الْوَجْهَيْنِ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُؤْكَلُ فِي الْوَجْهَيْنِ وَالْمُسْلِمُ وَالْكِتَابِيُّ فِي تَرْكُ التَّسْمِيَةُ سَوَاءٌ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا تَرَكَ التَّسْمِيَةَ عِنْدَ إرْسَالِ الْبَازِي وَالْكَلْبِ، وَعِنْدَ الرَّمْيِ، وَهَذَا الْقَوْلُ مِنْ الشَّافِعِيِّ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَهُ فِي حُرْمَةِ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَامِدًا، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ بَيْنَهُمْ فِي مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ نَاسِيًا.
فَمِنْ مَذْهَبِ ابْنِ عُمَرَ ﵄ أَنَّهُ يَحْرُمُ، وَمِنْ مَذْهَبِ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ ﵃ أَنَّهُ يَحِلُّ، بِخِلَافِ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَامِدًا، وَلِهَذَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالْمَشَايِخُ ﵏: إنَّ مَتْرُوكَ التَّسْمِيَةِ
وَغَايَةُ الْبَيَانِ أَرَادَ بِهِ الْآيَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ وَهُمَا قَوْله تَعَالَى ﴿إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ﴾ وقَوْله تَعَالَى ﴿وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ﴾ لِأَنَّ الْخِطَابَ عَامٌّ، وَرَدَّهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ نَقْلِهِ: وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ عَادَتَهُ فِي مِثْلِهِ لِمَا تَلَوْنَا.
وَقَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ: أَرَادَ بِهِ قَوْلَهُ لِأَنَّ حِلَّ الذَّبِيحَةِ يَعْتَمِدُ الْمِلَّةَ. وَرَدَّهُ أَيْضًا صَاحِبُ الْعِنَايَةِ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ نَقْلِهِ أَيْضًا: وَهَذَا لَيْسَ بِمَذْكُورٍ فِي الْكِتَابِ أَقُولُ: يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ مِنْ جَانِبِ تَاجَ الشَّرِيعَةِ إنَّ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَذْكُورًا فِي الْكِتَابِ صَرَاحَةً إلَّا أَنَّهُ مَذْكُورٌ فِيهِ ضِمْنًا حَيْثُ قَالَ فِيمَا مَرَّ: وَمِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ الذَّابِحُ صَاحِبَ مِلَّةِ التَّوْحِيدِ ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَالْأَوْلَى أَنْ يُجْعَلَ إشَارَةً إلَى الْآيَةِ وَإِلَى قَوْلِهِ وَلِأَنَّ بِهِ يَتَمَيَّزُ الدَّمُ النَّجِسُ مِنْ اللَّحْمِ الطَّاهِرِ وَعَادَتُهُ فِي مِثْلِهِ ذَلِكَ انْتَهَى أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ قَوْلَهُ وَلِأَنَّ بِهِ يَتَمَيَّزُ الدَّمُ النَّجِسُ مِنْ اللَّحْمِ الطَّاهِرِ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى كَوْنِ الذَّكَاةِ شَرْطَ حِلِّ الذَّبِيحَةِ وَلَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَهْلَ الذَّبْحِ مَنْ هُوَ كَيْفَ وَتَمَيُّزُ الدَّمِ النَّجِسُ مِنْ اللَّحْمِ الطَّاهِرِ يَحْصُلُ بِذَبْحِ الْوَثَنِيِّ وَالْمَجُوسِيِّ وَالْمُرْتَدِّ أَيْضًا مَعَ أَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلذَّبْحِ قَطْعًا، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِمَا ذَكَرْنَا تَعْلِيلٌ لِاسْتِوَاءِ الْأَقْلَفِ وَالْمَخْتُونِ فِي الْأَهْلِيَّةِ لِلذَّبْحِ فَكَيْفَ يَصْلُحُ أَنْ يُجْعَلَ إشَارَةً إلَى مَا لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى ذَلِكَ أَصْلًا وَهُوَ قَوْلُهُ لِأَنَّ بِهِ يَتَمَيَّزُ الدَّمُ النَّجِسُ مِنْ اللَّحْمِ الطَّاهِرِ.
ثُمَّ أَقُولُ: هُنَا احْتِمَالٌ آخَرُ أَقْرَبُ مِمَّا ذَكَرُوا، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ لِمَا ذَكَرْنَا إشَارَةً إلَى قَوْلِهِ وَيَحِلُّ إذَا كَانَ يَعْقِلُ التَّسْمِيَةَ وَالذَّبِيحَةَ وَيَضْبِطُ وَإِنْ كَانَ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ امْرَأَةً، فَإِنَّهُ قَدْ عُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ مَدَارَ حِلِّ الذَّبِيحَةِ أَنْ يَكُونَ الذَّابِحُ مِمَّنْ يَعْقِلُ التَّسْمِيَةَ وَالذَّبِيحَةَ وَيَضْبِطُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْأَقْلَفَ وَالْمَخْتُونَ لَا يَتَفَاوَتَانِ فِي ذَلِكَ فَكَانَا سَوَاءً فِي حُكْمِ حِلِّ ذَبِيحَتِهِمَا تَدَبَّرْ تَفْهَمْ
(قَوْلُهُ وَإِنْ تَرَكَ الذَّابِحُ التَّسْمِيَةَ عَمْدًا فَالذَّبِيحَةُ مَيْتَةٌ لَا تُؤْكَلُ وَإِنْ تَرَكَهَا نَاسِيًا أُكِلَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُؤْكَلُ فِي الْوَجْهَيْنِ وَقَالَ مَالِكٌ: لَا تُؤْكَلُ فِي الْوَجْهَيْنِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَحَلِّ إنْ تَرَكَ الذَّابِحُ التَّسْمِيَةَ عِنْدَ الذَّبْحِ اخْتِيَارِيًّا كَانَ أَوْ اضْطِرَارِيًّا عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا قَالَ الشَّافِعِيُّ بِشُمُولِ الْجَوَازِ، وَمَالِكٌ بِشُمُولِ الْعَدَمِ وَعُلَمَاؤُنَا فَصَّلُوا، إنْ تَرَكَهَا عَامِدًا فَالذَّبِيحَةُ مَيْتَةٌ لَا تُؤْكَلُ وَإِنْ تَرَكَهَا نَاسِيًا أُكِلَ انْتَهَى.
أَقُولُ: كَأَنَّهُ حَسِبَ أَنَّهُ أَتَى فِي شَرْحِ هَذَا الْمَحَلِّ بِكَلَامٍ مُجْمَلٍ جَامِعٍ لِأَقْسَامِ الْمَسْأَلَةِ كُلِّهَا لَكِنَّهُ أَخَلَّ بِحَقِّ الْمَقَامِ فِي تَحْرِيرِهِ هَذَا أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ عِنْدَ الذَّبْحِ يُنَافِي تَعْمِيمَ الذَّبْحِ لِلِاخْتِيَارِيِّ وَالِاضْطِرَارِيِّ كَمَا يَقْتَضِيه قَوْلُهُ اخْتِيَارِيًّا كَانَ أَوْ اضْطِرَارِيًّا لِأَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ كَوْنَ التَّسْمِيَةِ عِنْدَ الذَّبْحِ إنَّمَا تُشْتَرَطُ فِي الذَّكَاةِ الِاخْتِيَارِيَّةِ، وَأَمَّا فِي الِاضْطِرَارِيَّةِ فَيُشْتَرَطُ كَوْنُ التَّسْمِيَةِ عِنْدَ الْإِرْسَالِ وَالرَّمْيِ لَا غَيْرُ، وَسَيَجِيءُ ذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute