للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِالْقَصْدِ.

وَصِحَّةُ الْقَصْدِ بِمَا ذَكَرْنَا. وَالْأَقْلَفُ وَالْمَخْتُونُ سَوَاءٌ لِمَا ذَكَرْنَا، وَإِطْلَاقُ الْكِتَابِيِّ يَنْتَظِمُ الْكِتَابِيَّ وَالذِّمِّيَّ وَالْحَرْبِيَّ وَالْعَرَبِيَّ وَالتَّغْلِبِيَّ، لِأَنَّ الشَّرْطَ قِيَامُ الْمِلَّةِ عَلَى مَا مَرَّ. قَالَ (وَلَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَةُ الْمَجُوسِيِّ) لِقَوْلِهِ «سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ غَيْرَ نَاكِحِي نِسَائِهِمْ وَلَا آكِلِي ذَبَائِحِهِمْ» وَلِأَنَّهُ لَا يَدَّعِي التَّوْحِيدَ فَانْعَدَمَتْ الْمِلَّةُ اعْتِقَادًا وَدَعْوَى. قَالَ (وَالْمُرْتَدِّ) لِأَنَّهُ لَا مِلَّةَ لَهُ. فَإِنَّهُ لَا يُقِرُّ عَلَى مَا انْتَقَلَ إلَيْهِ، بِخِلَافِ الْكِتَابِيِّ إذَا تَحَوَّلَ إلَى غَيْرِ دِينِهِ لِأَنَّهُ يُقِرُّ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فَيُعْتَبَرُ مَا هُوَ عَلَيْهِ عِنْدَ الذَّبْحِ لَا مَا قَبْلَهُ. قَالَ (وَالْوَثَنِيِّ) لِأَنَّهُ لَا يَعْتَقِدُ الْمِلَّةَ.

ثُمَّ قَالَ ﷿ ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ﴾ وَقَالَ الْقَاضِي الْبَيْضَاوِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ: إنَّ قَوْله تَعَالَى ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ﴾ إلَخْ بَيَانٌ لِمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ، فَلَا جَرَمَ وَيَكُونُ الْخِطَابُ فِي ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ﴾ وَ ﴿إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ﴾ لِلْمُؤْمِنِينَ خَاصَّةً أَيْضًا فَلَا يَكُونُ مِمَّا يَعُمُّ الْوَثَنِيَّ وَنَحْوَهُ، وَلَئِنْ سُلِّمَ عُمُومُهُ لِلْوَثَنِيِّ وَنَحْوِهِ أَيْضًا فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْعَامِّ الَّذِي خَصَّ مِنْهُ الْبَعْضَ، بَلْ هُوَ مِنْ قَبِيلِ الْعَامِّ الَّذِي نُسِخَ بَعْضُهُ بِإِخْرَاجِ الْوَثَنِيِّ وَالْمَجُوسِيِّ وَالْمُرْتَدِّ مِنْ حُكْمِهِ، إذْ قَدْ تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ أَنَّ التَّخْصِيصَ عِنْدَنَا إنَّمَا يُطْلَقُ عَلَى قَصْرِ الْعَامِّ عَلَى بَعْضِ مَا يَتَنَاوَلُهُ بِمَا هُوَ مُسْتَقِلٌّ مَوْصُولٌ بِالْعَامِّ، وَأَنَّ قَصْرَهُ عَلَى بَعْضِ مَا يَتَنَاوَلُهُ بِمَا هُوَ مُسْتَقِلٌّ غَيْرُ مَوْصُولٍ بِهِ هُوَ النَّسْخُ لَا التَّخْصِيصَ، وَأَنَّ الَّذِي لَا يَكُونُ قَطْعِيًّا إنَّمَا هُوَ الْعَامُّ الَّذِي خَصَّ مِنْهُ بَعْضَ مَا يَتَنَاوَلُهُ دُونَ الْعَامِّ الَّذِي نَسَخَ بَعْضَ مَا يَتَنَاوَلُهُ فَإِنَّهُ يَكُونُ قَطْعِيًّا فِي الْبَاقِي بِلَا رَيْبٍ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ قَبِيلِ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الَّذِي يُخْرِجُ الْوَثَنِيَّ وَنَحْوَهُ غَيْرُ مَوْصُولٍ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ﴾ فَكَانَ قَطْعِيًّا فِي الْإِفَادَةِ.

وَلَئِنْ سُلِّمَ كَوْنُهُ ظَنِّيًّا غَيْرَ قَاطِعٍ فِي الْإِفَادَةِ فَهُوَ كَافٍ فِي إفَادَةِ الْمَطْلُوبِ هُنَا بِلَا حَاجَةٍ إلَى ضَمِّ شَيْءٍ آخَرَ، إذْ قَدْ تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ أَيْضًا أَنَّ الدَّلِيلَ الظَّنِّيَّ يُفِيدُ وُجُوبَ الْعَمَلِ وَإِنْ لَمْ يُفِدْ وُجُوبَ الِاعْتِقَادِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ الْعَمَلِيَّاتِ وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ مِثْلَ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي قَوْله تَعَالَى ﴿إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ﴾ يُتَّجَهُ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ﴾ بِأَنْ يُقَالَ أَيْضًا: إنَّهُ عَامٌّ مَخْصُوصٌ لِخُرُوجِ مَا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَيَقْتَضِي أَنْ يُضَمَّ إلَيْهِ أَيْضًا دَلِيلٌ آخَرُ. وَأَمَّا ثَالِثًا فَلِأَنَّ الضَّمَّ الْمَذْكُورَ إنَّمَا يُفِيدُ فِي حَقِّ ذَبِيحَةِ الْكِتَابِيِّ دُونَ ذَبِيحَةِ الْمُسْلِمِ لِاخْتِصَاصِ الدَّلِيلِ الْمَضْمُومِ بِالْكِتَابِيِّ فَيَلْزَمُ أَنْ يَبْقَى الدَّلِيلُ قَاصِرًا عَنْ إفَادَةِ حِلِّ ذَبِيحَةِ الْمُسْلِمِ عَلَى مَبْنَى زَعْمِ الشَّارِحِ الْمَزْبُورِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّ الدَّلِيلَ الثَّانِيَ إذَا أَفَادَ حِلَّ ذَبِيحَةِ الْكِتَابِيِّ أَفَادَ حِلَّ ذَبِيحَةِ الْمُسْلِمِ أَيْضًا دَلَالَةً. ثُمَّ إنَّ الْمُرَادَ بِالطَّعَامِ فِي قَوْله تَعَالَى ﴿وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾ ذَبَائِحُهُمْ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: طَعَامُهُمْ ذَبَائِحُهُمْ. وَاسْتَدَلَّ صَاحِبُ الْكَافِي وَكَثِيرٌ مِنْ الشُّرَّاحِ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُحْمَلُ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِتَخْصِيصِ أَهْلِ الْكِتَابِ بِالذِّكْرِ فَائِدَةٌ، إذْ يَسْتَوِي الْكِتَابِيُّ وَغَيْرُهُ فِيمَا سِوَى الذَّبَائِحِ مِنْ الْأَطْعِمَةِ، فَإِنَّ الْمَجُوسِيَّ إذَا اصْطَادَ سَمَكَةً حَلَّ أَكْلُهَا.

وَرَدَّ عَلَيْهِمْ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ نَقْلِ اسْتِدْلَالِهِمْ الْمَذْكُورِ: وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ التَّخْصِيصَ بِاسْمِ الْعَلَمِ لَا يَدُلُّ عَلَى النَّفْيِ عَمَّا سِوَاهُ اهـ أَقُولُ: لَيْسَ ذَاكَ بِشَيْءٍ، إذْ لَا يَخْفَى عَلَى الْفَطِنِ أَنَّهُ لَيْسَ مَدَارُ اسْتِدْلَالِهِمْ الْمَذْكُورِ عَلَى أَنَّ التَّخْصِيصَ بِاسْمِ الْعَلَمِ يَدُلُّ عَلَى النَّفْيِ عَمَّا سِوَاهُ، بَلْ مُرَادُهُمْ كَمَا يُنَادِي عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى ذَلِكَ لَخَلَا تَخْصِيصُ أَهْلِ الْكِتَابِ بِالذِّكْرِ فِي كَلَامِ رَبِّ الْعِزَّةُ عَنْ الْفَائِدَةِ تَعَالَى عَنْهُ عُلُوًّا كَبِيرًا، وَلَا يَذْهَبُ عَلَيْك أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِهَذَا الْوَجْهِ مُتَمَشٍّ عَلَى أَصْلِ مَنْ لَا يَقُولُ بِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ أَيْضًا، إذْ لَا يَرْضَى أَحَدٌ بِخُلُوِّ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ الْفَائِدَةِ (قَوْلُهُ وَالْأَقْلَفُ وَالْمَخْتُونُ سَوَاءٌ لِمَا ذَكَرْنَا) اخْتَلَفَ الشُّرَّاحُ فِي تَعْيِينِ مُرَادِ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ لِمَا ذَكَرْنَا، فَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>