قَالَ (الْأُضْحِيَّةُ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ حُرٍّ مُسْلِمٍ مُقِيمٍ مُوسِرٍ فِي يَوْمِ الْأَضْحَى عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ وَلَدِهِ الصِّغَارِ) أَمَّا الْوُجُوبُ فَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ وَالْحَسَنِ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ﵏. وَعَنْهُ أَنَّهَا سُنَّةٌ، ذَكَرَهُ فِي الْجَوَامِعِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَاجِبَةٌ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، وَهَكَذَا ذَكَرَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ الِاخْتِلَافَ. وَجْهُ السُّنَّةِ قَوْلُهُ ﵊ «مَنْ أَرَادَ
أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ هُوَ الصُّورَةُ الْحَاصِلَةُ فِي الْعَقْلِ عَلَى الْمُسَامَحَةِ كَمَا حَقَّقَهُ الشَّرِيفُ الْجُرْجَانِيُّ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ مِنْ تَصَانِيفِهِ. وَطَعَنَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ فِي التَّعْرِيفِ الَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بِوَجْهٍ آخَرَ حَيْثُ قَالَ: اعْلَمْ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي التَّعْرِيفِ مِنْ قَيْدٍ آخَرَ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ بِسِنٍّ مَخْصُوصٍ لِئَلَّا يَنْتَقِضَ التَّعْرِيفُ انْتَهَى. أَقُولُ: يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ أَيْضًا بِأَنَّ قَوْلَهُ حَيَوَانٍ مَخْصُوصٍ يُغْنِي عَنْ ذَلِكَ الْقَيْدِ الْآخَرِ، فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالْمَخْصُوصِ مَا يَعُمُّ الْمَخْصُوصَ النَّوْعِيَّ وَهُوَ الْأَنْوَاعُ الْأَرْبَعَةُ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالضَّأْنُ وَالْمَعَزُ، وَالْمَخْصُوصُ السِّنِّيُّ أَيْضًا وَهُوَ الثَّنِيُّ فَصَاعِدًا مِنْ الْأَنْوَاعِ الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَالْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ وَحْدَهُ، فَلَا يَنْتَقِضُ التَّعْرِيفُ بِشَيْءٍ. نَعَمْ لَوْ فَصَلَهُ كَمَا وَقَعَ فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا لَكَانَ أَظْهَرَ، لَكِنَّهُ سَلَكَ مَسْلَكَ الْإِجْمَالِ اعْتِمَادًا عَلَى ظُهُورِ تَفْصِيلِ ذَلِكَ فِي تَضَاعِيفِ الْمَسَائِلِ الْآتِيَةِ.
ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ:
وَأَمَّا شَرَائِطُهَا فَنَوْعَانِ: شَرَائِطُ الْوُجُوبِ، وَشَرَائِطُ الْأَدَاءِ. أَمَّا شَرَائِطُ الْوُجُوبِ فَالْيَسَارُ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَالْإِسْلَامُ وَالْوَقْتُ وَهُوَ أَيَّامُ النَّحْرِ، حَتَّى لَوْ وَلَدَتْ الْمَرْأَةُ وَلَدًا بَعْدَ أَيَّامِ النَّحْرِ لَا تَجِبُ الْأُضْحِيَّةُ لِأَجْلِهِ. ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا شَرَائِطُ الْأَدَاءِ فَالْوَقْتُ، وَلَوْ ذَهَبَ الْوَقْتُ تَسْقُطُ الْأُضْحِيَّةُ، إلَّا أَنَّ فِي حَقِّ الْمُقِيمِينَ بِالْأَمْصَارِ يُشْتَرَطُ شَرْطٌ آخَرُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِيدِ، ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا سَبَبُهَا فَهُوَ الْمُبْهَمُ فِي هَذَا الْكِتَابِ، فَإِنَّ سَبَبَ وُجُوبِ الْأُضْحِيَّةِ وَوَصْفَ الْقُدْرَةِ فِيهَا بِأَنَّهَا مُمْكِنَةٌ أَوْ مُيَسَّرَةٌ لَمْ يُذْكَرْ لَا فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَلَا فِي فُرُوعِهِ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَأَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ: إنَّ سَبَبَ وُجُوبِ الْأُضْحِيَّةِ الْوَقْتُ وَهُوَ أَيَّامُ النَّحْرِ وَالْغِنَى شَرْطُ الْوُجُوبِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ لِأَنَّ السَّبَبَ إنَّمَا يُعْرَفُ بِنِسْبَةِ الْحُكْمِ إلَيْهِ وَتَعَلُّقِهِ بِهِ، إذْ الْأَصْلُ فِي إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى الشَّيْءِ أَنْ يَكُونَ حَادِثًا بِهِ سَبَبًا، وَكَذَا إذَا لَازَمَهُ فَتَكَرَّرَ بِتَكَرُّرِهِ كَمَا عُرِفَ ثُمَّ هَاهُنَا تَكَرُّرُ وُجُوبِ الْأُضْحِيَّةِ بِتَكَرُّرِ الْوَقْتِ ظَاهِرٌ، وَكَذَلِكَ الْإِضَافَةُ فَإِنَّهُ يُقَالُ يَوْمُ الْأَضْحَى كَمَا يُقَالُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَيَوْمُ الْعِيدِ، وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ هُوَ إضَافَةُ الْحُكْمِ إلَى سَبَبِهِ كَمَا فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ، وَلَكِنْ قَدْ يُضَافُ السَّبَبُ إلَى حُكْمِهِ كَمَا فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَمِثْلُ هَذِهِ الْإِضَافَةِ فِي الْأُضْحِيَّةِ لَمْ تُوجَدْ فِي حَقِّ الْمَالِ؛ أَلَا يُرَى أَنَّهُ لَا يُقَالُ أُضْحِيَّةُ الْمَالِ وَلَا مَالُ الْأُضْحِيَّةِ فَلَا يَكُونُ الْمَالُ سَبَبَهَا انْتَهَى.
أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ الْوَقْتَ لَمَّا كَانَ شَرْطَ وُجُوبِ الْأُضْحِيَّةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ لَمْ يَبْقَ مَجَالٌ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِوُجُوبِهَا، لِأَنَّ الشَّيْءَ الْوَاحِدَ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا وَسَبَبًا لِشَيْءٍ وَاحِدٍ آخَرَ، إذْ قَدْ تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ أَنَّ الشَّرْطَ وَالسَّبَبَ قِسْمَانِ قَدْ اُعْتُبِرَ فِي أَحَدِهِمَا مَا يُنَافِي الْآخَرَ، فَإِنَّهُ قَدْ اُعْتُبِرَ فِي السَّبَبِ أَنْ يَكُونَ مُوصِلًا إلَى الْمُسَبِّبِ فِي الْجُمْلَةِ، وَفِي الشَّرْطِ أَنْ يَكُونَ مُوصِلًا إلَى الْمَشْرُوطِ أَصْلًا بَلْ كَانَ وُجُودُ الْمَشْرُوطِ مُتَوَقِّفًا عَلَيْهِ، وَمِنْ الْمُمْتَنِعِ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ وَاحِدٌ مُوصِلًا إلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ آخَرَ، وَأَنْ لَا يَكُونَ مُوصِلًا إلَيْهِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ لِاقْتِضَائِهِ اجْتِمَاعَ النَّقِيضَيْنِ، وَعَنْ هَذَا قَالُوا فِي الصَّلَاةِ إنَّ الْوَقْتَ سَبَبٌ لِوُجُوبِهَا وَشَرْطٌ لِأَدَائِهَا فَلَمْ يَلْزَمْ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا وَشَرْطًا بِالنِّسْبَةِ إلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ
(قَوْلُهُ الْأُضْحِيَّةُ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ حُرٍّ مُسْلِمٍ مُقِيمٍ مُوسِرٍ فِي يَوْمِ الْأَضْحَى) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ أَخْذًا مِنْ النِّهَايَةِ: وَهِيَ وَاجِبَةٌ بِالْقُدْرَةِ الْمُمْكِنَةِ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْمُوسِرَ إذَا اشْتَرَى شَاةً لِلْأُضْحِيَّةِ فِي أَوَّلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute