الأسد الضارى فدخل إلى والده وشرح له الحال فما اكترث وقال: يا ولدى أبوك أقل من أن يقتل في سبيل اللَّه ثم خرج كأنه قضاء اللَّه قد ترك على ذلك الأسد فحين عاينه نائب السلطان يبست يده وسقط السيف منها فبكى وسأل الشيخ أن يدعوا له وقال: يا سيدى خبرنا إيش نعمل قال الشيخ: أنادى عليكم وأبيعكم. قال: ففيم تصرف ثمننا. قال: في مصالح المسلمين. قال: من يقتضيه. قال: أنا. ونادى على أولئك الأمراء واحدًا واحدًا ولم يبعهم إلَّا بالثمن البالغ ليكون الحظ والغبطة لبيت المال وهذا ما لم يُسمع لأحد بمثله، وحُكى أنه خرج يومًا إلى الدرس وعليه قبعة اللباد وقد نسى فلبس فروة مقلوبة ظاهرها باطنها فلما جلس على السجادة للدرس تبسَّم بعض الحاضرين فتأمله الشيخ، ثم لم يكترث ولم يزد على أن قال:{قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ}. وحُكى أنه كان بينه وبين شخص من أهل الريف صداقة يقال له عبد اللَّه من أولياء اللَّه، وكان الشيخ يقبل هديته فأرسل إليه مرة هدية ومن جملتها وعاء جبن فاتفق أنه كسر في أثناء الطريق فاشترى بدله من ذمِّى، فلما وصل الرسول إلى باب البيت نزل شخص من عند الشيخ وقال: اطلع بما جئت به فناولته شيئًا فمشى إلى أن سلمت ذلك الجبن فطلع ثم نزل به وقال إن الشيخ قال ضعه على الباب، فلما طلع الرسول قال له الشيخ يا ولدى ليس يعمل هذا الجبن التى حلبت لبنه كانت يده متنجسة بلحم خنزير، وقال: سلَّم لى على أخى. وكراماته رضى اللَّه عنه كثيرة، وذكروا أنه لما مرض مرض الموت بعث إليه الملك الظاهر يقول له: من في أولادك يصلح لوظائفك فأرسل يقول: ليس فيهم من يصلح لشيء منها فأعجب ذلك السلطان، ولهذا لما مات حضر جنازته السلطان بنفسه وذلك في جمادى الأولى سنة ستين وستمائة، قال الشيخ قطب الدين: كان مع شدته فيه حسن مناظرة بالنوادِ والأشعار وكان يحضر السماع يرقص ويتواجد كذا قال، وسئل الشيخ -رضي اللَّه عنه- عن الرجل بماذا يستحق الجامكية في مذهب الشافعى، أَعَلى اعتقاده المذهب أم على معرفته له، فأجاب بأنه يستحق ذلك على معرفته له، ونشره إياه وإن كان لا يعتقد بعض المسائل أو كما قال.