القضاء فلما بلغ ذلك حاشية الملك شقَّ عليهم وأشاروا على الملك أن يعزله عن الخطابة لئلَّا يتعرض لسبِّ الملك على المنبر فعزله ولزم بيته يشغل الناس ويدرس. وحُكى أنه طلع السلطان يومئذ فرأى محفلًا عظيمًا فالتفت إلى السلطان وناداه باسمه في ذلك الملأ العظيم يا فلان كيف نفسك في دينك أن تكون الحانة الفلانية يباع فيها الخمر وأنواع المنكر، فقال: يا سيدى هذا من زمان أبى. فقال: أنت من الذين يقولون يوم القيامة إذا سئلوا: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ}. فوسم السلطان بإبطالها فسأل الشيخ عن ذلك، فقال: أردت أن أهينه لئلَّا تكبر نفسه عليه فتؤذيه. قيل فما خفت منه قال: استحضرت هيبة اللَّه في فلبى فصار قدَّامى كالقط، وحُكى أنه لما جاء الخبر بوصول التتار إلى البلاد في شهر رمضان رسم السلطان بالخروج بعد العيد فطلع إليه وقال: ما أخرَّك قال: حتى نهيئ أسيافنا. قالا: عاجزون. قال: لا. فال: أفتضمن لى على اللَّه النصر. قال: نعم. فكان كما قال، وحُكى أن الفرنج لما وصلوا إلى المنصورة للقاء المسلمين كانوا في مواكب قوية والريح قد أشرعت قلوعها واستظهر العدو وضعفت قلوب المسلمين وكانوا في مواكب ضعيفة وفيهم الشيخ وما لهم ويح، فلما رأى الشيخ ذلك أشار بيده للريح وقال: يا ريح خذيهم عدة مرات فعادت الريح على الفرنج وكسرت مراكبهم، وكان الفتح فصرخ من بين المسلمين صارخ: الحمد للَّه الذى أرانا في هذه الأمة رجلًا سخَّر له الريح، وحُكى أن السلطان كلمه مرة بكلام فيه غلظة فغضب الشيخ وحمل حوائجه على حماره وأركب عائلته ومشى خلفهم خارجًا من القاهرة، فما وصل نحو نصف بريد إلّا ولحقه غالب المسلمين رجالًا ونساءًا وصبيانًا فبلغ الخبر السلطان، وقيل له: متى راح ذهب ملكك فقام ولحقه بنفسه واسترضاه حتى رجع، ولما بلغ السلطان خبر وفاته قال: لم يستنقذ ملكى إلَّا الساعة؛ لأنه لو أمر الناس إلى ما أراد لبادروا إلى امتثال أمره، وأما أمر الشيخ مع جماعة من أمراء مصر الكبار ومنهم نائب السلطان في ذلك الوقت وقوله: ما ثبت عندى أنهم أحرارًا وهم أرقَّاء يجرى عليهم حكم القن فمشور، وانفصل الأمر على ما أراد الشيخ حتى أن نائب السلطان اشتاط غضبًا وقال: كيف ينادى هذا الشيخ علينا ويبيعنا ونحن ملوك الأرض والله لأضربنه بسيفى هذا وسلَّ سيفه وركب في مخيلة وجاء إلى بيت الشيخ والسيف مسلول بيده فطرق الباب فخرج ولد الشيخ فرأى ذلك