للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا نسي العبدُ نفسه أعرض عن مصالحها، ونَسِيَها، واشتغل عنها؛ فهلكت وفسدت ولابُدّ، كمن له زرعٌ أو بستانٌ أو ماشيةٌ أو غير ذلك مِمّا صلاحُه وفلاحه بتعاهده والقيام عليه، فأهمله ونسيه، واشتغل عنه بغيره، وضَيَّع مصالحه؛ فإنه يفسد ولابُدّ. هذا مع إمكان قيام غيره مقامه فيه؛ فكيف الظن بفساد نفسه وهلاكها وشقائها إذا أهملها ونسيها، واشتغل عن مصالحها، وعطَّل مراعاتها، وترك القيام عليها بما يصلحها؟! فما شئت من فسادٍ وهلاكٍ وخيبةٍ وحرمان!.

وهذا هو الذي صار أمره كله فُرُطًا، فانفرط (١) عليه أمره، وضاعت مصالحه، وأحاطت به أسباب القُطوع والخيبة والهلاك.

ولا سبيل إلى الأمان من ذلك إلا بدوام ذكر الله تعالى، واللَّهَجِ به، وأن لا يزال اللسان رطبًا به، وأن يُنزله منزلة حياته التي لا غنى له عنها، ومنزلة غذائه الذي إذا فقده فسد جسمُه وهلك، وبمنزلة الماء عند شدة العطش، وبمنزلة اللباس في الحر والبرد، وبمنزلة الكِنِّ (٢) في شدة الشتاء والسَّموم (٣).

فحقيقٌ بالعبد أن يُنزِل ذكر الله منه (٤) بهذه المنزلة، وأعظم؛ فأين


(١) (م): "ففرط".
(٢) هو ما يردُّ الحرّ والبرد من الأبنية والمساكن.
(٣) السَّموم: هي الريح الحارّة. قال أبو عبيدة: "السَّموم بالنهار، وقد تكون بالليل". "اللسان" (٦/ ٣٧٣).
(٤) "منه" من (ح) و (ق).

<<  <  ج: ص:  >  >>