للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهكذا المؤمن قلبه مضيء يكاد يعرف الحق بفطرته وعقله، ولكنْ لا مادة له من (١) نفسه، فجاءت مادة الوحي فباشرت قلبه، وخالطت بشاشته (٢)، فازداد نورًا بالوحي على نوره الذي فطره الله تعالى عليه، فاجتمع له نور الوحي إلى نور الفطرة، نورٌ على نور (٣)، فيكاد ينطق بالحق وإن لم يسمع فيه أثرًا، ثم يسمع الأثر مطابقًا لما شهدت به فطرته، فيكون نورًا على نور، فهذا شأن المؤمن يدرك الحق بفطرته مجملًا، ثم يسمع الأثر جاء به مفصلًا، فينشأ إيمانه عن شهادة الوحي والفطرة.

فليتأمل اللبيب هذه الآية العظيمة، ومطابقتها لهذه المعاني الشريفة، فَذَكَر نورَه في السموات والأرض، ونورَه في قلوب عباده المؤمنين، النورَ المعقولَ المشهودَ بالبصائر والقلوب (٤)، الذي استنارت به البصائرُ والقلوبُ، والنورَ المحسوسَ المشهود بالأبصارِ، الذي استنارت به أقطار العالم العُلْوي والسُّفْلِي، فهما نوران عظيمان، وأَحدهما أعظم من الآخر.

وكما أنه إذا فُقِد أحدهما من مكان أو موضع، لم يَعِشْ فيه آدميٌّ ولا غيرُه؛ لأن الحيوان إنما يتكوَّن حيثُ النور، ومواضعُ الظلمة التي لا


(١) "من" ساقطة من (ت).
(٢) (ت) و (م): "وخالطت قلبه بشاشته".
(٣) من قوله "الذي فطره الله" إلى هنا، ساقط من (م).
(٤) (م): "والنور".

<<  <  ج: ص:  >  >>