للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما المنافق فإنه لِعَمَى قلبه لم يجاوز بصرُه الظلمةَ، ولم يَرَ إلّا برقًا يكاد يخطف البصر، ورعدًا عظيمًا وظلمة (١)، فاستوحش من ذلك وخاف منه، فوضع أصابعه في أذنيه لئلا يسمع (٢) صوت الرعد، وهالَه مشاهدة ذلك البرق، وشدة لمعانه، وعِظَمُ نوره، فهو خائف أن يختطف معه بصره؛ لأن بصره أضعف من أن يثبت معه، فهو في ظلمةٍ يسمع أصوات الرعد القاصف (٣)، ويرى ذلك البرق الخاطف، فإنْ أضاء له ما بين يديه مشى في ضوئه، وإنْ فقد الضوء قام متحيِّرًا لا يدري أين يذهب، ولجهله لا يعلم أن ذلك من لوازم الصَّيِّبِ الذي به حياةُ الأرض والنبات، وحياتُه هو في نفسه، بل لا يدرك إلا رعدًا، وبرقًا، وظلمةً، ولا شعور له بما وراء ذلك، فالوحشةُ لازمةٌ له، والرعبُ والفزعُ لا يفارقه.

وأما من أَنِس بالصَّيِّب وعلم ما يحصل به من الخيرات (٤) والحياة والنفع، وعلم أنه لابُدّ فيه من رعدٍ وبرقٍ وظلمةٍ؛ بسبب الغيم = استأنس بذلك ولم يستوحش منه، ولم يَقْطَعْهُ ذلك عن أخذه بنصيبه من الصَّيِّب.

فهذا مَثَلٌ مُطابِقٌ للصَّيِّب الذي نزل به جبريل من عند


(١) "عظيمًا" من (م) و (ح) و (ق).
(٢) (ت): "لا يسمع".
(٣) (ت): "العاصف".
(٤) (ح): "يحصل من الخير".

<<  <  ج: ص:  >  >>