للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عظيم من أبواب سر القدر وحكمته، والله تعالى الموفق.

وهذا النور الذي ألقاه عليهم ، هو الذي أحياهم وهداهم، فأصابت الفطرة منه حَظَّها، ولكنْ لمّا لم يستقلَّ بتمامه وكماله أكمله لهم، وأتمه بالوحي (١) الذي ألقاه على رسله عليهم الصلاة والسلام، والنورِ الذي أوحاه اليهم، فأدركَتْهُ الفطرة بذلك النور السابق الذي حصل لها يوم إلقاء النور، فانضاف نور الوحي والنُّبوَّةِ إلى نور الفطرة، نورٌ على نورٌ، فأشرقت منه القلوب، واستنارت به الوجوه، وحَيِيَتْ به الأرواح، وأذعنت به الجوارح للطاعات طوعًا واختيارًا، فازدادت به القلوب حياةً إلى حياتها.

ثم دلها ذلك النور على نورٍ آخر هو أعظم منه وأجلُّ، وهو نور الصفات العليا الذي يَضْمَحِلُّ فيه كلُّ نورٍ سواه، فشاهدَتْهُ ببصائر الإيمان (٢) مشاهدةً نِسْبَتُها إلى القلب نِسْبَة المرئيّات إلى العَيْن؛ وذلك لاستيلاء اليقين عليها، وانكشاف حقائق الإيمان لها، حتى كأنها تنظر إلى عرش الرحمن بارزًا، وإلى استوائه عليه (٣)، كما أخبر به في كتابه، وكما أخبر به عنه رسول الله ، يدبِّر أمر الممالك، ويأمر وينهى، ويخلق ويرزق، ويميت ويُحْيِي، ويقضي


(١) (ح) (ق): "بالرُّوح".
(٢) (ت): "فشاهد به بصائر الإيمان".
(٣) "وإلى استوائه عليه" ساقط من (ت).

<<  <  ج: ص:  >  >>