للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأما كونهم لهم الفرار إذا زاد عدد الكفار على ضعف المسلمين فلأن شرط عدم الحِلّ أن لا يزيد، وذلك مفقود هاهنا.

وأما قول المصنف رحمه الله: إلا أن يغلب على ظنهم الظفر فاستثناء من كون المسلمين لهم الفرار مع الزيادة. فعلى هذا إن غلب على ظنهم الظَّفَر لا يحل لهم الفرار وإن كثر العدو. وصرح في المغني: بأن ذلك أولى وليس بواجب. وهذا هو الذي حكاه مَن علمنا من الأصحاب؛ لأن الله أباح له الفرار من الزائد على ضعفه مطلقاً من غير تفصيل فلا يقيد بغير ذلك. فعلى هذا يحمل استثناء المصنف على الأَولى؛ لما فيه من الجمع بين نقليه وموافقة الأصحاب. ويصححه أن قوله: فلهم الفرار إذن في الفرار.

وللإذن صور:

أحدها: أن يؤذن له مع أن الفرار والثبات سواء كمن استوى عنده الظفر والهلاك.

والثانية: أن يؤذن له مع أن الثبات أولى كمن غلب على ظنه الظفر.

والثالثة: أن يؤذن له مع أن الفرار مستحب كمن غلبت على ظنه السلامة بفراره، والهلاك وكسر قلوب المسلمين بثباته. فيكون المصنف قد استثنى من مطلق اللفظ أحد محامله وذلك جائز.

ولو قيل بوجوب ما اقتضاه ظاهر لفظ المصنف لم يكن فيه بعداً؛ لأن الجهاد إنما وجب نكاية للعدو وإظهاراً لكلمة الحق فإذا غلب على ظنه الظفر تعين وإن كثروا تخليصاً لمقصود ما وجب الجهاد لأجله.

قال: (وإن أُلقيَ في مركبهم نارٌ فعلوا ما يرون السلامة فيه، فإن شكّوا فعلوا ما شاؤا من المُقام أو إلقاءِ نفوسهم في الماء، وعنه: يلزمهم المُقام).

أما كون من أُلقي في مركبهم نار يفعلون ما يرون فيه السلامة فلأن حفظ الروح واجب، وغلبة الظن قائمة مقام اليقين في كثير من الأحكام فليكن هاهنا كذلك.

وأما كونهم إذا شكّوا يفعلون ما شاؤا من المُقام أو إلقاء نفوسهم في الماء على المذهب فلأنهم ابتلوا بشرين لا مزية لأحدهما على الآخر.

وأما كونهم يلزمهم المُقام على رواية فلأنهم إذا رموا نفوسهم كان موتهم بفعلهم بخلاف إقامتهم فإن موتهم بفعل غيرهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>