وأما كون الجاعل عليه أجرة عمل العامل إذا فسخها بعد الشروع؛ فلأنه إنما عمل بعوضٍ، ولم يسلم له بسببٍ من جهة غيره. فوجب على الجاعل أجرة عمله، كما لو فسخ المضاربة بعد الشروع في العمل.
وأما كون القول قول الجاعل إذا اختلفا في أصل الجعل أو قدره؛ فلأنه منكرٌ والأصل يعضده.
قال:(ومن عمل لغيره عملاً بغير جُعْل فلا شيء له. إلا في ردّ الآبق فإن له في الشرع ديناراً أو اثني عشر درهماً. وعنه: إن ردّه من خارج المصرِ فله أربعون درهماً).
أما كون من عمل لغيره عملاً بغير جُعْل في غير ردّ الآبق لا شيء له؛ فلأنه بذل نفعه من غير جُعل. أشبه ما لو نوى التبرع به.
وأما كونه له في ردّ الآبق شيء بالشرع، فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل في الآبقِ إذا جاء به خارجاً من الحرم ديناراً»(١).
ولأنه قول علي وعمر وابن عمر وابن مسعود، ولم يعرف لهم مخالفٌ. فكان إجماعاً.
وعن أحمد: لا شيء لمن ردّه؛ لأنه عمل في ملك غيره عملاً بغير إذنه. فلم يستحق شيئاً، كما لو ردّ جمله.
والأول أصح، لما تقدم ذكره.
ولأن في استحقاق الجعل في ردّ الآبق من غير شرط حثاً على ردّه، وصيانة له عن الرجوع إلى دار الحرب، وارتداده عن دينه. فيجب أن يكون مشروعاً لهذه المصلحة. وبهذا فارق الجمل الشارد فإنه لا يفضي إلى ذلك.
فعلى هذه إن ردّه من داخل المصرِ فله دينار أو اثني عشر درهماً: أما الأول؛ فلأنه يروى عن ابن مسعود. وأما الثاني؛ فلأن الدينار مقدر في الشرع بذلك في كثير من المواضع. فليكن كذلك هاهنا.
وإن ردّه من خارج المصر ففيه روايتان:
(١) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى ٦: ٢٠٠ كتاب اللقطة، باب الجعالة.