للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأما كونه على المكره؛ فلأنه قتل شخصاً ظلماً لاستبقاء نفسه. أشبه ما لو قتله في المخمصة ليأكله.

فإن قيل: المكرَه ملجأ.

قيل: ذلك غير صحيح؛ لأنه متمكن من الامتناع، ولهذا يأثم بالقتل.

فإن قيل: فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «عُفيَ لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» (١).

قيل: يحمل ذلك على غير القتل؛ لأن القتل عظيم، ولذلك يأثم به وفاقاً.

قال: (وإن أمر من لا يميز أو مجنوناً أو عبده الذي لا يعلم أن القتل محرم بالقتل فقتل: فالقصاص على الآمر. وإن أمر كبيراً عاقلاً عالماً بتحريم القتل [به فقتل] (٢): فالقصاص على القاتل).

أما كون القصاص في المسألة الأولى على الآمر؛ فلأن القاتل هنا كالآلة. فوجب القصاص على الآمر؛ كما لو أنهشه حية، أو ألقاه في زُبْية أسد فقتلته أو قتله.

وأما كونه على الثاني؛ فلأنه مباشر مكلف عالم بتحريم ما فعله. فكان القصاص عليه دون غيره.

ولأن مقتضى الدليل وجوب القصاص على المباشر لأنه أقبح جناية من المتسبب. تُرك العمل به فيما تقدم للعذر من عدم العقل وبجهله بتحريم القتل. فبقي فيما عداه على مقتضى الدليل.

فإن قيل: لم قال المصنف رحمه الله في صدر المسألة الأولى: من لا يميز وفي صدر المسألة الثانية: كبيراً؟

قيل: لأن (٣) من يميز وليس كبيراً لا قصاص عليه ولا على الآمر، أما الأول؛ فلأنه غير مكلف، وأما الثاني؛ فلأن تمييزه يمنع أن يكون كالآلة.


(١) أخرجه ابن ماجة في سننه (٢٠٤٣) ١: ٦٥٩ كتاب الطلاق، باب طلاق المكره والناسي.
(٢) ساقط من أ.
(٣) في أ: يمكن.

<<  <  ج: ص:  >  >>