للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولأن السحر معنى في القلب لا يزول بالتوبة. أشبه الزنديق المستتر بكفره. وفي الحديث عن عائشة: «أن امرأةً جاءتها. فجعلت تبكي بكاءً شديداً وقالت: يا أم المؤمنين! إن عجوزاً ذهبتْ إلى هاروت وماروت فقلت: علِّماني السحر. فقالا: اتق الله ولا تكفري (١) فإنك على رأس أمركِ. فقلت: علِّماني السحر. فقالا: اذهبي إلى ذلك التنور فبولي فيه ففعلت. فرأيت كأن فارساً مقنعاً في الحديد خرجَ مني حتى طارَ فغابَ في السماء. فرجعت إليهما فقالا: ذلك الإيمان ... وذكرت باقي القصة. قالت: والله ما صنعتُ شيئاً غيرَ هذا فهل لي من توبة؟ قالت عائشة ورأتها تبكي بكاء شديداً فطافت في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تسألهم: هل لها من توبة؟ فما أفتاها أحدٌ إلا ابن عباس قال لها: إن كان أحدٌ من أبويكِ حياً فبرّيه وأكثري من عمل البِّر ما استطعت» (٢).

وأما كون توبة كل من ذكر تقبل على روايةٍ؛ فإن ذنوبهم إما شرك أو ما دونه، والشرك تقبل التوبة فيه بدليل قوله تعالى: {قُل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف} [الأنفال: ٣٨]. وإذا قبل في الشرك فلأن يقبل فيما دونه بطريق الأولى.

والصحيح في المذهب الرواية الأولى؛ لأن أدلتها خاصة، وأدلة الثانية عامة، والخاص مقدم على العام.

ولأن ذنوبهم زيادة على الشرك المطلق. فلا يلزم من الغفران فيه (٣) الغفران فيها لزيادتها عليه.

فعلى هذا يقتل من اتصف بأحد ما ذكر في الحال؛ لأن التأخير لأجل الاستتابة، ومن لا تقبل توبته لا حاجة إلى استتابته.

قال: (وتوبة المرتد إسلامه. وهو: أن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله؛ إلا أن تكون ردته بإنكار فرض، أو إحلال محرم، أو جحد نبي أو كتاب، أو إلى دين من يعتقد أن محمداً بعث إلى العرب خاصة فلا يصح إسلامه


(١) في أ: تكفر.
(٢) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى ٨: ١٣٦ كتاب القسامة، باب قبول توبة الساحر وحقن دمه بتوبته.

<<  <  ج: ص:  >  >>