والأول أصح؛ لما تقدم من عُرف الاستعمال. واحتياج الكلام إلى تقدير لا يضر؛ لأن اللفظ إذا اشتهر في العرف صار من الأسماء العُرفية. فيجب حمله في الإطلاق على العرف دون موضوعه الأصلي.
قال:(وإن حلف بكلام الله أو بالمصحف أو بالقرآن فهي يمين فيها كفارة واحدة. وعنه: عليه بكل آية كفارة).
أما كون الحلف بكلام الله يميناً؛ فلأن الكلام صفة من صفات ذاته لم يزل موصوفاً به. فوجب كون الحلف به يميناً؛ كالحلف بعظمة الله وقدرته.
وأما كون الحلف بالمصحف يميناً؛ فلأن الحالف به إنما قصد الحلف بما فيه وهو كلام الله؛ لانعقاد الإجماع على أن ما بين دفّتي المصحف كلام الله. فوجب كون الحلف به يميناً؛ كالحلف بكلام الله.
وأما كون الحلف بالقرآن يميناً؛ فلأن القرآن كلام الله وصفة من صفاته. فالحالف به حالف بكلام الله وبصفة من صفاته. فوجب كون الحلف به يميناً؛ لما تقدم في الحلف بالصفات.
وأما كون اليمين بذلك فيها كفارة واحدة على المذهب؛ فلأن الله عز وجل قال:{ولكن يؤاخذكم بما عقَّدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين}[المائدة: ٨٩]. وهذه يمين فتدخل في عموم الآية.
ولأن الحلف بذلك يمين. فلم توجب كفارات؛ كسائر الأيمان.
ولأن إيجاب كفارات تفضي إلى منع الحالف من البر والتقوى والإصلاح بين الناس، وقد نهى الله تعالى عن ذلك بقوله:{ولا تجعلوا الله عُرضةً لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس}[البقرة: ٢٢٤].
وأما كون الحالف بذلك عليه بكل آية كفارة على روايةٍ؛ فلأن ابن مسعود قال ذلك (١).
وقال أحمد: ما أعلم شيئاً يدفعه.
(١) أخرجه عبدالرزاق في مصنفه (١٥٩٤٦) ٨: ٤٧٢ كتاب الأيمان والنذور، باب الحلف بالقرآن والحكم فيه.