وأما كونه يُحلف من لم يحضر له خصم ويخلي سبيله؛ فلأن الظاهر صدقه إذ لو كان له خصم لحضر.
قال:(ثم ينظرُ في أمر الأيتام والمجانين والوقوف. ثم في حال القاضي قبله، فإن كان ممن يصلح للقضاء لم ينقض من أحكامه إلا ما خالف نص كتابٍ أو سنةٍ أو إجماعاً. وإن كان ممن لا يصلح نَقَضَ أحكامه وإن وافقت الصحيح. ويحتمل أن لا ينقض الصواب منها).
أما كون القاضي ينظر في أمر الأيتام والمجانين والوقوف بعد النظر في أمر المحبسين؛ فلأن المنظور عليه لا يمكنه المطالبة؛ لأن الصبي والمجنون لا قول لهما. وأرباب الوقوف؛ كالفقراء والمساكين لا يتعيَّنون.
وأما كونه ينظر في حال القاضي قبله فظاهر كلام المصنف رحمه الله هنا على أن القاضي المتولي يتبع قضايا القاضي قبله؛ لأنه يحتمل أن يكون مصيباً، ويحتمل أن لا يكون مصيباً.
وقال في المغني: ليس عليه ذلك؛ لأن الظاهر صحة قضايا من قبله وصوابُها. وأنه لا يُولى إلا من هو أهلُ الولاية.
وهذا صحيح لكن في غير قُضاة هذا الزمان. فعلى هذا يترجح وجوب تتبّعها.
وأما كونه لا ينقض من أحكام من يصلح للقضاء ما لم يخالف ما ذكره؛ فلأنه يؤدي إلى أنه لا يثبت حكم أصلاً؛ لأن الحاكم الثالث يخالف الثاني، والرابع يخالف الثالث وهلم جرَّا. ولذلك أن عمر رضي الله عنه خالف أبا بكر في مسائل، وخالف علي عمر في مسائل، ولم ينقض واحد منهما على الآخر.
وفي الحديث:«أن أهل نجران جاؤوا إلى علي. فقالوا: يا أمير المؤمنين! كتابكَ بيدكَ وشفاعتُكَ بلسانك. فقال: ويحكم! إن عمرَ كان رشيدَ الأمر. ولا أردُ قضاء قضى به عمر»(١). رواه سعيد.
(١) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى ١٠: ١٢٠ كتاب آداب القاضي، باب من اجتهد من الحكام ثم تغير اجتهاده ...