للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: (فأما الشَين في الصناعة؛ كالحجام والحائك والنخّال والنفّاط والقمّام والزبّال والمشعوذ والدبّاغ والحارس والقرّاد والكبّاش فهل تُقبل شهادتهم إذا حسنت طرائقهم؟ على وجهين).

أما كون ما ذكر تُقبل شهادتهم إذا حسنت طرائقهم على وجه؛ فلأن بالناس حاجة إلى من يقوم بما ذكر، ورد شهادة فاعله يمنع من تعاطيه. فيؤدي إلى ضرر عام بالخلق، وذلك منتفٍ شرعاً.

وأما كونهم لا تُقبل شهادتهم على وجه؛ فلأن تعاطي ما ذكر يتجنَّبهُ أهل المروءات. فكان فعله مانعاً من الشهادة كالقِسْم الذي قبله. هذا تعليل كلام المصنف رحمه الله. وعندي فيه نظر كما تقدم. وينبغي أن ينظر في الصناعة فإن كانت محرمة منعت قبول الشهادة؛ لفعله المحرم على وجه التكرار؛ لأن من كان الشيء المحرم صنعته كان فعله له مكرراً، وإن كانت مباحة فمنها ما يترجح فيه قبول الشهادة؛ كالحائك لا سيما في بلاد ظهرَ الدينُ فيهم كحرّان، ومنها ما يترجح فيه رد الشهادة؛ كالزبال؛ لأن في فعله دناءة وسفهاً.

فعلى هذا: الحجام ينبني على جواز الإجارة: فإن قيل بعدم جواز الإجارة عليه منع فعله الشهادة؛ لأنه فعل محرم متكرر، ويعضده قول النبي صلى الله عليه وسلم: «كسبُ الحجّام خبيث» (١)، وإن قيل بجواز الإجارة عليه منع فعله الشهادة؛ لما فيه من الدناءة والسقاطة، والحائك تقدم ذكره. والنخّال والنفّاط فعلهما فيه دناءة، ويترجح عدم رد شهادتهما؛ لأن الظاهر من حالهما الاستقامة.

وأما القمّام والزبّال فالظاهر منهما أنهما لا يتوقيان النجاسة، وإن توقياها كان فيها دناءة، ويترجح رد شهادتهما؛ لأجل ذلك الظاهر.

وأما المشعوذ والدبّاغ والحارس والقرّاد والكبّاش ففعلهم فيه دناءة، ويترجح رد شهادتهم؛ لأن الغالب فيهم أنهم لا مروءة لهم، وهي شرط في قبول الشهادة.


(١) أخرجه مسلم في صحيحه (١٥٦٨) ٣: ١١٩٩ كتاب المساقاة، باب تحريم ثمن الكلب وحلوان الكاهن ...

<<  <  ج: ص:  >  >>