قال:(وإن اشتبهت عليه في السفر اجتهد في طلبها بالدلائل، وأثبتُها القطب إذا جعله وراء ظهره كان مستقبلاً للقبلة).
أما كون من اشتبهت عليه القبلة في السفر ولم يمكنه معرفتها بخبر ثقة عن يقين أو استدلال بمحاريب المسلمين يجتهد في طلبها بالدلائل إذا كان عالماً بها؛ فلأن له طريقاً إلى معرفتها بالاجتهاد فلزمه ذلك كالعالم بالحادثة.
والمجتهد في القبلة هو العالم بأدلتها سواء كان عالماً بأحكام الشرع أو لم يكن. فإن كل من علم أدلة شيء كان من أهل الاجتهاد فيه وإن جهل غيره.
فإن قيل: من دخل وقت الصلاة عليه وهو غير عارف بالقبلة ولا بدلائلها ما يصنع؟
قيل: إن أمكنه تعلم ذلك لزمه. فإن ضاق الوقت قبل التعلم جاز أن يقلد كتعلم الفاتحة يجب مع السعة، ويجزئ غيرها مع الضيق.
وهل يجب على من يريد السفر تعلم ذلك؟
قال قوم: يجب. وهو متجه.
ويحتمل أن لا يجب لأن جهة القبلة مما يندر التباسه، والمكلف يجب عليه تعلم ما يعم لا ما يندر.
فإن قيل: ما دلائل القبلة؟
قيل: أمور: أحدها النجوم. قال الله تعالى:{وبالنجم هم يهتدون}[النحل: ١٦]. وقال تعالى:{وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر}[الأنعام: ٩٧]. وباقيها يأتي ذكره.
وأما كون أثبت أدلة القبلة القطب؛ فلأنه لا يزول عن مكانه ويمكن كل واحد معرفته غالباً.
فإن قيل: ما صفته؟
قيل: هو نجم خفي حوله أنجم دائرة كفراشة الرحى أحد طرفيها الفرقدان وفي الآخر الجدي وبين ذلك أنجم صغار ثلاثة من فوق وثلاثة من أسفل. تدور هذه الفراشة حول القطب دور الرحى حول قطبها في كل يوم وليلة دورة. وحول الفراشة بنات نعش وهي سبعة أنجم متفرقة مضيئة.
وأما كونه إذا جعله المصلي وراء ظهره يكون مستقبلاً للقبلة؛ فلأنه قد أخبر بذلك ثقات عن يقين.