ولأن الإجماع منعقد على صحة صلاة المتباعدين يستقبلان قبلة واحدة ولا يمكن أن يصيب العين إلا أحدهما.
وظاهر كلام المصنف رحمه الله هنا أنه لا فرق فيمن بَعُد بين من كان قريباً من مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وبين من لم يكن. ووجهه عموم ما تقدم.
وقال أبو الخطاب: حكم من قرب من مسجد النبي صلى الله عليه وسلم حكم من قرب من الكعبة. وصرح به المصنف رحمه الله في المغني. ووجهه أن قبلة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم صحيحة قطعاً لأنه لا يقر على الخطأ.
ويمكن أن يجاب عنه بأن الفرض إذا كان الجهة لم يكن نصب القبلة إلى غير العين خطأ. وفي قوله تعالى:{فول وجهك شطر المسجد الحرام}[البقرة: ١٤٤] دليل على أن الفرض الجهة؛ لأن الشطر قد فسر بالنحو. والنحو الجهة لا العين. ويعضده قوله عليه السلام:«ما بين المشرق والمغرب قبلة»(١).
قال:(فإن أمكنه ذلك بخبر ثقة عن يقين أو استدلال بمحاريب المسلمين لزمه العمل به. وإن وجد محاريب لا يعلم هل هي للمسلمين أو لا؟ لم يلتفت إليها).
أما كون من أمكنه معرفة القبلة بخبر ثقة عن يقين يلزمه العمل به؛ فلأن الخبر كالنص فلزم قبوله. ولم يجز العدول عنه إلى الاجتهاد معه كالحاكم إذا وجد النص.
وأما كون من أمكنه ذلك باستدلالٍ بمحاريب المسلمين يلزمه ذلك؛ فلأن أهل الخبرة والمعرفة بنوها على الصحة. فجرى ذلك مجرى الخبر عن يقين.
وفي تقييد المصنف رحمه الله خبر الثقة بكونه عن يقين إشعار بأنه إذا أخبره عن اجتهاد لا يجوز له العمل بقوله. وهو صحيح. صرح به صاحب الهداية فيها. ووجهه أن العالم لا يجوز له العمل باجتهاد غيره فكذا هذا.
وأما كون من وَجد محاريب لا يعلم هل هي للمسلمين أو لا؟ لا يلتفت إليها فلاحتمال كونها لغير المسلمين.