ولأن في رواية أبي داود في بعض ألفاظه:«إلا خمسة: عبد مملوك أو امرأة أو صبي أو مريض أو مسافر».
ولأن المسافر ليس من أهل الكمال فلم تجب عليه كالصبي.
وأما كون الاستيطان ببناء -والمراد به الإقامة بموضع مبني بما جرت به العادة من خشب أو قصب ونحو ذلك لا يظعن عنه شتاء ولا صيفاً-؛ فلأن العرب كانت حول المدينة في الخيام وبيوت الشعر ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بإقامة صلاة الجمعة.
وإنما كان البناء بما جرت به العادة لأنه أمر ورد الشرع باشتراطه من غير تعيين له فاعتبرت العادة فيه كالحِرز والقبض.
ولأن الجمعة تقام في مواضع مختلفة الأبنية فلو اشترط بناء بعينه لوجب الحكم ببطلان بعضها وليس كذلك لأن الأصل في الأفعال الشرعية التي فعلها المسلمون في بلادهم الإسلامية من غير نكير من بعضهم: الصحة.
وإنما كان الموضع لا يظعن فيه صيفاً ولا شتاء لأن بذلك كمال الاستيطان فوجب أن يشترط كأصله.
وأما كونها لا تجب على من بينه وبين موضع الجمعة أكثر من فرسخ؛ فلأنه لما لم يمكن اعتبار السماع بنفسه اعتبر بمظنته. والموضع الذي يُسمع النداء منه في الغالب إذا كان المؤذن صيتاً في موضع عالٍ والرياح ساكنة والأصواتُ هادئة والعوارضُ منتفية فرسخ فاعتبر به.
وعن أحمد: أنه معتبر بنفس النداء تمسكاً بظاهر قوله صلى الله عليه وسلم: «الجمعة على من سمع النداء»(١) رواه أبو داود.
والفرسخ أو السماع معتبر في حق من هو خارج البلد، أما من هو في البلد فيجب عليه السعي قَرُب أو بَعُد سمع أو لم يسمع؛ لأن البلد كالشيء الواحد.
(١) أخرجه أبو داود في سننه (١٠٥٦) ١: ٢٧٨ كتاب الصلاة، باب من تجب عليه الجمعة.