للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولأنها لو لم تجز إلا في موضع واحد لأدى إلى تعطيلها في حق كثير من الخلق لأن وجوبها على أهل البلد العظيم لا يتقيد بسماع ولا بفرسخ فالبعيد يعجز عن قطع المسافة البعيدة ويصير من يخاف الفتنة معذوراً ومع ضيق المكان تقام الصلاة في الشوارع إلى حد يتعذر البلاغ معه (١) لاختلاف الأصوات.

ولأن إقامتها في البلاد الكبار في موضعين مع عدم الإنكار يصير كالإجماع على جواز ذلك.

وعن الإمام أحمد: لا تقام إلا في موضع واحد لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقمها إلا في موضع واحد. وكذلك الخلفاء بعده.

والأول أصح لما ذكر.

وإنما لم يقمها النبي صلى الله عليه وسلم لعدم الحاجة.

ولأن أحداً لم يكن ليترك الصلاة خلفه صلى الله عليه وسلم ويصلي خلف غيره.

وأما كونها لا تجوز إقامتها في موضعين مع عدم الحاجة؛ فلأنه لا حاجة. والعبادات المغلب فيها (٢) الاتباع ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الخلفاء الراشدين بعده فعلها في موضعين.

وروى ابن عمر رضي الله عنهما: «لا تقام الجمعة إلا في المسجد الأكبر الذي يصلي فيه الإمام» (٣). خص منه إذا كان لحاجة فيبقى فيما عداه حجة.

ولأن المقصود من الجمعة إقامة الشعائر وتعظيم الإسلام والتفريق من غير حاجة يخل بذلك.

وأما كون جمعة الإمام هي الصحيحة إذا صلي في موضعين مع عدم الحاجة؛ فلأن في الحكم بصحة غيرها افتياتاً على الإمام وتفويتاً لجمعته.

ولأن ذلك يفضي إلى أنه متى شاء أربعون أن يفسدوا على أهل البلد صلاتهم أمكنهم ذلك.


(١) ساقط من ب.
(٢) مثل السابق.
(٣) ذكره ابن حجر في التلخيص وعزاه إلى ابن المنذر ٢: ١١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>