. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[غمز عيون البصائر]
ذَلِكَ حَتَّى أَخْرَجَهُمْ مِنْ الْمَسْجِدِ ثُمَّ قَالَ فَإِنْ قُلْت الْمَذْكُورُ فِي الْفَتَاوَى إنَّ الْجَهْرَ بِالذِّكْرِ لَوْ فِي الْمَسْجِدِ لَا يُمْنَعُ احْتِرَازًا عَنْ الدُّخُولِ تَحْتَ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} [البقرة: ١١٤] وَصَنِيعُ ابْنِ مَسْعُودٍ يُخَالِفُ قَوْلَكُمْ. قُلْت الْإِخْرَاجُ عَنْ الْمَسْجِدِ لَوْ نُسِبَ إلَيْهِ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِاعْتِقَادِهِمْ الْعِبَادَةَ فِيهِ وَتَعْلِيمَ النَّاسِ بِأَنَّهُ بِدْعَةٌ وَالْفِعْلُ الْجَائِزُ يَكُونُ غَيْرَ جَائِزٍ لِغَرَضٍ يَلْحَقُهُ فَكَذَا غَيْرُ الْجَائِزِ يَجُوزُ أَنْ يَجُوزَ لِغَرَضٍ كَمَا تَرَكَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْأَفْضَلَ تَعْلِيمًا لِلْجَوَازِ وَمَا رُوِيَ فِي الصَّحِيحِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ لِرَافِعِي أَصْوَاتِهِمْ بِالتَّكْبِيرِ ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنَّكُمْ لَنْ تَدْعُوا أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا إنَّكُمْ تَدْعُونَ سَمِيعًا قَرِيبًا إنَّهُ مَعَكُمْ» الْحَدِيثُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الرَّفْعِ مَصْلَحَةٌ فَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ فِي غَزَاةٍ وَعَدَمُ رَفْعِ الصَّوْتِ نَحْوَ بِلَادِ الْعَدُوِّ خُدْعَةٌ وَلِهَذَا نَهَى عَنْ الْجَرَسِ فِي الْمَغَازِي.
وَأَمَّا رَفْعُ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ فَجَائِزٌ كَمَا فِي الْآذَانِ وَالْخُطْبَةِ وَالْحَجِّ، وَالِاخْتِلَافُ فِي عَدَدِ تَكْبِيرِ التَّشْرِيقِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْجَهْرَ بِدْعَةٌ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ كَوْنَهُ سُنَّةً زَائِدَةً عَلَى أَصْلِ الْفِعْلِ فَيُتِمُّ صَلَاةً، كَمَا اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ سُنَّةَ الْأَرْبَعِ مِنْ الظُّهْرِ بِتَسْلِيمَةٍ أَوْلَى أَمْ بِتَسْلِيمَتَيْنِ؟ وَذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ بِتَسْلِيمَتَيْنِ تَكُونُ بِدْعَةً أَوْ حَرَامًا. وَفِي تَفْسِيرِ الثَّعَالِبِيِّ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ أَيْ: بِالْجَهْرِ بِالدُّعَاءِ مِنْ الِاعْتِدَاءِ فَيَدُلُّ عَلَى كَرَاهِيَتِهِ وَفِي أَجْوِبَةِ الْإِمَامِ الزَّاهِدِ الْخُوَارِزْمِيِّ أَنَّهُ بِدْعَةٌ لَا تُجِيزُ وَلَا تَمْنَعُ ثُمَّ قَالَ: جَوَّزَهُ مُحِبُّ الذَّاكِرِينَ اللَّهَ تَعَالَى كَثِيرًا (انْتَهَى) .
وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْوَهَّابِ الشَّعْرَانِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِبَيَانِ ذِكْرِ الذَّاكِرِ لِلْمَذْكُورِ وَالشَّاكِرِ لِلْمَشْكُورِ مَا نَصُّهُ: وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ سَلَفًا وَخَلَفًا عَلَى اسْتِحْبَابِ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى جَمَاعَةً فِي الْمَسَاجِدِ وَغَيْرِهَا مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ إلَّا أَنْ يُشَوِّشَ جَهْرُهُمْ بِالذِّكْرِ عَلَى نَائِمٍ أَوْ مُصَلٍّ أَوْ قَارِئٍ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ، وَقَدْ شَبَّهَ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ ذِكْرَ الْإِنْسَانِ وَحْدَهُ وَذِكْرَ الْجَمَاعَةِ بِأَذَانِ الْمُنْفَرِدِ وَأَذَانِ الْجَمَاعَةِ قَالَ: فَكَمَا أَنَّ أَصْوَاتَ الْمُؤَذِّنِينَ جَمَاعَةً تَقْطَعُ جُرْمَ الْهَوَى أَكْثَرَ مِنْ صَوْتِ مُؤَذِّنٍ وَاحِدٍ كَذَلِكَ ذِكْرُ الْجَمَاعَةِ عَلَى قَلْبٍ وَاحِدٍ أَكْثَرُ تَأْثِيرًا فِي رَفْعِ الْحُجُبِ الْكَثِيفَةِ مِنْ ذِكْرِ شَخْصٍ وَاحِدٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute