الثَّانِيَةُ: الْقِصَاصُ الْمَوْرُوثُ يَثْبُتُ لِكُلٍّ مِنْ الْوَرَثَةِ عَلَى الْكَمَالِ،
ــ
[غمز عيون البصائر]
فَلَهُ ذَلِكَ كَذَا فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ لِلْقُهُسْتَانِيِّ. وَقَوْلُهُ ثَابِتَةٌ لِلْأَوْلِيَاءِ عَلَى سَبِيلِ الْكَمَالِ، يَعْنِي لِلْأَوْلِيَاءِ الْمُسْتَوِينَ فِي الدَّرَجَةِ، وَذَلِكَ كَوِلَايَةِ الْأَمَانِ. قَالَ فِي إجَابَةِ الْمَسَائِلِ بِاخْتِصَارٍ أَنْفَعُ الْوَسَائِلِ إذَا اسْتَوَى الْوَلِيَّانِ كَشَقِيقَيْنِ أَوْ اجْتَمَعَ أَبَوَانِ ادَّعَيَا وَلَدَ أَمَةٍ مُشْتَرَكَةٍ جَازَ اسْتِقْلَالُ كُلٍّ بِالنِّكَاحِ فَإِنْ زَوَّجَاهَا صَحَّ السَّابِقُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بَطَلَ (انْتَهَى) .
قِيلَ: إنَّمَا قُيِّدَ بِالصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ لِأَنَّهُ لَا يُزَوِّجُ أَحَدُ السَّيِّدَيْنِ الْأَمَةَ الْمُشْتَرَكَةَ لَهُمَا وَالْمُعْتَقَةَ لَهُمَا، وَأَمَّا فِي الْقَرَابَةِ فَيَتَزَوَّجُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ فَيَنْفَرِدُ بِهِ. كَذَا فِي الزَّيْلَعِيِّ فِي بَابِ مَا يُوجِبُ الْقَوَدَ (انْتَهَى) .
أَقُولُ: فِي اسْتِفَادَةِ مَا ذُكِرَ مِنْ التَّقْيِيدِ نَظَرٌ
[الثَّانِيَةُ الْقِصَاصُ الْمَوْرُوثُ]
(٣) قَوْلُهُ: الثَّانِيَةُ الْقِصَاصُ الْمَوْرُوثُ يَثْبُتُ لِكُلٍّ مِنْ الْوَرَثَةِ عَلَى الْكَمَالِ إلَخْ. قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: فِيهِ كَلَامٌ، لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ الْأُصُولِيِّينَ، فَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْقِصَاصَ غَيْرُ مَوْرُوثٍ عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّ الْغَرَضَ بِهِ دَرْكُ الثَّأْرِ، وَذَلِكَ مَعْنًى يَحْصُلُ لَهُمْ، فَكَانَ الْقِصَاصُ حَقَّهُمْ مِنْ الِابْتِدَاءِ لَا أَنْ يَكُونَ مَوْرُوثًا. لَا يُقَالُ يَنْبَغِي حِينَئِذٍ أَنْ لَا يَجُوزَ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ إلَّا بِحُضُورِ الْكُلِّ وَمُطَالَبَتِهِمْ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ لَوْ عَفَا أَحَدُهُمْ أَوْ اسْتَوْفَاهُ بَطَلَ أَصْلًا وَلَا يَضْمَنُ الْعَافِي وَالْمُسْتَوْفِي لِلْآخَرِينَ شَيْئًا. لِأَنَّا نَقُولُ: الْقِصَاصُ وَاحِدٌ لِأَنَّهُ جَزَاءُ قَتْلِ وَاحِدٍ. وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَأَنَّهُ يَمْلِكُهُ وَحْدَهُ كَوِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ لِلْإِخْوَةِ، فَإِذَا بَادَرَ وَاسْتَوْفَى أَوْ عَفَا، لَا يَضْمَنُ شَيْئًا لِلْآخَرِينَ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي خَالِصِ حَقِّهِ وَلِهَذَا قَالَ الْإِمَامُ: لِلْكَبِيرِ وِلَايَةُ الِاسْتِيفَاءِ قَبْلَ كِبَرِ الصَّغِيرِ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي خَالِصِ حَقِّهِ لَا فِي حَقِّ الصَّغِيرِ وَإِنَّمَا لَمْ يَمْلِكْهُ إذَا كَانَ فِيهِمْ كَبِيرٌ غَائِبٌ لِاحْتِمَالِ عَفْوِ الْغَائِبِ وَرُجْحَانِ جِهَةِ وُجُودِهِ لِأَنَّ الْعَفْوَ عَنْ الْقِصَاصِ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ وَهُنَا احْتِمَالُ الْعَفْوِ مَعْدُومٌ وَلَا عِبْرَةَ لِتَوَهُّمِ الْعَفْوِ بَعْدَ الْبُلُوغِ لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ حَقٍّ ثَابِتٍ لِلْكَبِيرِ. كَذَا فِي كَشْفِ الْأَسْرَارِ شَرْحِ الْمَنَارِ. فَإِذَا عَلِمْتَ ذَلِكَ عَلِمْتَ مَا فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. وَالثَّانِيَةُ: الْقِصَاصُ الْمَوْرُوثُ (انْتَهَى) .
أَقُولُ: لَا عِبْرَةَ بِمَا فِي كُتُبِ الْأُصُولِ إذَا خَالَفَ مَا ذُكِرَ فِي كُتُبِ الْفُرُوعِ، كَمَا صَرَّحُوا بِهِ. بَقِيَ أَنْ يُقَالَ: جَزَمَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُنَا بِأَنَّ الْقِصَاصَ مَوْرُوثٌ يَقْتَضِي أَنْ لَا خِلَافَ، وَسَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْفَرَائِضِ التَّنْصِيصُ عَلَى الْخِلَافِ حَيْثُ ذَكَرَ مَا يُورَثُ مِنْ الْحُقُوقِ فَقَالَ: وَاخْتَلَفُوا فِي الْقِصَاصِ. فَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ يُورَثُ وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ لِلْوَارِثِ ابْتِدَاءً. وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: لَا يُورَثُ عِنْدَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute