مِنْ قَبِيلِ الشَّكِّ؛ لِأَنَّهُمْ يُرِيدُونَ بِهِ التَّرَدُّدَ بَيْنَ وُجُودِ الشَّيْءِ وَعَدَمِهِ سَوَاءٌ اسْتَوَيَا، أَوْ تَرَجَّحَ أَحَدُهُمَا، وَكَذَا قَالُوا فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ: لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْف دِرْهَمٍ فِي ظَنِّي لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لِلشَّكِّ (انْتَهَى) .
وَغَالِبُ الظَّنِّ عِنْدَهُمْ مُلْحَقٌ بِالْيَقِينِ، وَهُوَ الَّذِي يُبْتَنَى عَلَيْهِ الْأَحْكَامُ يَعْرِفُ ذَلِكَ مَنْ تَصَفَّحَ كَلَامَهُمْ فِي الْأَبْوَابِ، صَرَّحُوا فِي نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ بِأَنَّ الْغَالِبَ كَالْمُتَحَقِّقِ، وَصَرَّحُوا فِي الطَّلَاقِ بِأَنَّهُ إذَا ظَنَّ الْوُقُوعَ لَمْ يَقَعْ، وَإِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ وَقَعَ
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ فِي الِاسْتِصْحَابِ ١٣٦ -، وَهُوَ كَمَا فِي التَّحْرِيرِ الْحُكْمُ بِبَقَاءِ أَمْرٍ مُحَقَّقٍ لَمْ يُظَنَّ عَدَمُهُ وَاخْتُلِفَ فِي حُجِّيَّتِهِ فَقِيلَ حُجَّةٌ مُطْلَقًا وَنَفَاهُ كَثِيرٌ مُطْلَقًا وَاخْتَارَ الْفُحُولُ الثَّلَاثَةُ أَبُو زَيْدٍ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ
ــ
[غمز عيون البصائر]
يُقَالَ: إنَّ الظَّنَّ قَدْ يُطْلَقُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَحَدِ شِقَّيْ التَّرَدُّدِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَرَجَّحُ بِوَجْهٍ مَا ثُمَّ يَزُولُ التَّرَجُّحُ بِمُعَارِضٍ لَهُ، فَسَمَّوْهُ ظَنًّا بِاعْتِبَارِ ذَلِكَ الْحَالِ وَبَنَوْا عَلَيْهِ الْحُكْمَ فِي الْمَالِ فَيَحْصُلُ بِذَلِكَ التَّوْفِيقُ بَيْنَ كَلَامِهِمْ فِي الْأُصُولِ وَكَلَامِهِمْ فِي الْفُرُوعِ، وَلَا يَنْبَغِي الْجَزْمُ بِأَنَّهُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ مُطْلَقًا مِنْ قَبِيلِ الشَّكِّ، لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ تَرْكُهُمْ اسْتِعْمَالَهُ بِمَعْنَى الطَّرَفِ الرَّاجِحِ أَصْلًا فَتَأَمَّلْ.
(١٣٥) قَوْلُهُ: مِنْ قَبِيلِ الشَّكِّ إلَخْ. وَعَلَيْهِ فَالشَّكُّ أَعَمُّ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ مَا قَدَّمَهُ مِنْ أَنَّ الشَّكَّ تَسَاوِي الطَّرَفَيْنِ عِنْدَ غَيْرِ الْفُقَهَاءِ كَالْمَعْقُولِينَ
[الثَّالِثَةُ فِي الِاسْتِصْحَابِ]
قَوْلُهُ: وَهُوَ كَمَا فِي التَّحْرِيرِ إلَخْ. وَقَالَ غَيْرُهُ: هُوَ الْحُكْمُ بِثُبُوتِ أَمْرٍ فِي وَقْتٍ آخَرَ، وَهَذَا يَشْتَمِلُ نَوْعَيْهِ، وَهُمَا جَعْلُ الْحُكْمِ الثَّابِتِ فِي الْمَاضِي مُصَاحِبًا لِلْحَالِ، أَوْ جَعْلُ الْحَالِ مُصَاحِبًا لِذَلِكَ الْحُكْمِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute