وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا حُكْمٌ يَدُورُ مَعَ الْمَصْلَحَةِ، فَإِذَا رَآهَا الثَّانِي وَجَبَ اتِّبَاعُهَا.
تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ: كَثُرَ فِي زَمَانِنَا، وَقَبْلَهُ أَنَّ الْمُوَثِّقِينَ يَكْتُبُونَ عَقِبَ الْوَاقِعَةِ عِنْدَ الْقَاضِي مِنْ بَيْعٍ وَنِكَاحٍ، وَإِجَارَةٍ وَوَقْفٍ، وَإِقْرَارٍ وَحُكْمٍ بِمُوجِبِهِ. فَهَلْ يُمْنَعُ النَّقْضُ لَوْ رُفِعَ إلَى آخَرَ؟ ١٥ - فَأَجَبْت مِرَارًا بِأَنَّهُ إنْ كَانَ فِي حَادِثَةٍ خَاصَّةٍ بِهِ وَدَعْوَى صَحِيحَةٍ مِنْ خَصْمٍ عَلَى خَصْمٍ يَمْنَعُهُ، وَإِلَّا فَلَا يَكُونُ حُكْمًا صَحِيحًا تَمَسُّكًا بِمَا ذَكَرَهُ الْعِمَادِيُّ فِي فُصُولِهِ وَتَبِعَهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَالْكَرْدَرِيُّ فِي فَتَاوَى الْبَزَّازِيَّةِ وَالْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ فِي فَتَاوِيهِ مِنْ أَنَّ شَرْطَ نَفَاذِ الْقَضَاءِ فِي الْمُجْتَهَدَاتِ أَنْ يَكُونَ فِي حَادِثَةٍ وَدَعْوَى صَحِيحَةٍ.
فَإِنْ فَاتَ هَذَا الشَّرْطُ كَانَ فَتْوَى لَا حُكْمًا.
ــ
[غمز عيون البصائر]
الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ الْجَلَالِ السُّيُوطِيِّ فِي حِكَايَةِ الْإِجْمَاعِ: أَنَّ الْإِمَامَ إذَا هَدَمَ الْكَنِيسَةَ لَا تُعَادُ فَتَأَمَّلْ.
(١٤) قَوْلُهُ: وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا حُكْمٌ إلَخْ، حَاصِلُهُ تَقْيِيدُ الْقَاعِدَةِ بِعَدَمِ الْمَصْلَحَةِ بِمَعْنَى أَنَّ الِاجْتِهَادَ لَا يُنْقَضُ بِالِاجْتِهَادِ إلَّا إذَا اشْتَمَلَ النَّقْضُ عَلَى مَصْلَحَةٍ عَامَّةٍ.
[تَنْبِيهَاتٌ]
[الْمُوَثِّقِينَ يَكْتُبُونَ عَقِبَ الْوَاقِعَةِ عِنْدَ الْقَاضِي]
(١٥) قَوْلُهُ: فَأَجَبْت مِرَارًا بِأَنَّهُ إنْ كَانَ فِي حَادِثَةٍ إلَخْ: قِيلَ عَلَيْهِ: لَا شُبْهَةَ فِي أَنَّ الْحُكْمَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ وَيُجْعَلُ مُمْتَنِعَ النَّقْضِ إذَا صَدَرَ مِنْ الْحَاكِمِ عَنْ دَعْوَى عَلَى خَصْمٍ، وَهَذَا لَازِمٌ فِيمَا صَرَّحَ الْحَاكِمُ بِهِ، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ حَكَمْت بِبُطْلَانِ هَذَا الْبَيْعِ أَوْ صِحَّتِهِ.
وَلَكِنَّ الْكَلَامَ فِي قَوْلِهِ حَكَمْت بِمُوجِبِ هَذَا الْعَقْدِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُبَيِّنَ ذَلِكَ الْمُوجِبَ حَتَّى إذَا كَانَ مُوجِبُهُ الْفَسَادَ كَانَ حُكْمًا بِالْفَسَادِ، وَإِنْ كَانَ مُوجِبُهُ الصِّحَّةَ كَانَ حُكْمًا بِالصِّحَّةِ.
وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ ذَلِكَ وَلَا حَرَّرَهُ فَلَا يُفِيدُ التَّمَسُّكَ بِمَا فِي الْعِمَادِيَّةِ وَغَيْرِهَا؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ بَعْدَهُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ حُكْمًا إلَّا بَعْدَ بَيَانِ كَيْفِيَّةِ الْحُكْمِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ إذَا لَمْ يَجُزْ الْحُكْمُ الْمُعَيَّنُ أَعْنِي الْبُطْلَانَ أَوْ الصِّحَّةَ مَثَلًا بِلَا تَقَدُّمِ دَعْوَى صَحِيحَةٍ، وَجَوَابٍ بِإِنْكَارٍ وَهُوَ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْعِمَادِيِّ فَعَدَمُ الْجَوَازِ فِيمَا إذَا كَانَ مَا حَكَمَ بِهِ غَيْرَ مُعَيَّنٍ كَمَا فِي مَبْحَثِنَا، وَهُوَ الْحُكْمُ بِمُوجِبِ الْعَقْدِ أَوْلَى وَأَظْهَرُ فَلْيُتَدَبَّرْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute