أَمْرَ السُّلْطَانِ إنَّمَا يَنْفُذُ إذَا وَافَقَ الشَّرْعَ. وَإِلَّا فَلَا يَنْفُذُ. وَفِي مُفِيدِ النِّعَمِ وَمُبِيدِ النِّقَمِ: الْمُدَرِّسُ إذَا لَمْ يَكُنْ صَالِحًا لِلتَّدْرِيسِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ تَنَاوُلُ الْمَعْلُومِ، وَلَا يَسْتَحِقُّ الْفُقَهَاءُ الْمُنَزِّلُونَ مَعْلُومًا؛ لِأَنَّ مَدْرَسَتَهُمْ شَاغِرَةٌ مِنْ مُدَرِّسٍ (انْتَهَى) . وَهَذَا كُلُّهُ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ شَرْطِ الْوَاقِفِ فِي الْمُدَرِّسِ، أَمَّا إذَا عُلِمَ شَرْطُهُ وَلَمْ يَكُنْ الْمُقَرَّرُ مُتَّصِفًا بِهِ.
٢ - لَمْ يَصِحَّ تَقْرِيرُهُ وَإِنْ كَانَ أَهْلًا لِلتَّدْرِيسِ لِوُجُوبِ اتِّبَاعِ شَرْطِهِ. وَالْأَهْلِيَّةُ لِلتَّدْرِيسِ لَا تَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ بَصِيرَةٌ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهَا بِمَعْرِفَةِ مَنْطُوقِ الْكَلَامِ وَمَفْهُومِهِ وَبِمَعْرِفَةِ الْمَفَاهِيمِ، وَأَنْ يَكُونَ لَهُ سَابِقَةُ اشْتِغَالٍ عَلَى الْمَشَايِخِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - بِحَيْثُ صَارَ يَعْرِفُ الِاصْطِلَاحَاتِ وَيَقْدِرُ عَلَى أَخْذِ الْمَسَائِلِ مِنْ الْكُتُبِ، وَأَنْ يَكُونَ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى أَنْ يَسْأَلَ وَيُجِيبَ إذَا سُئِلَ، وَيَتَوَقَّفُ ذَلِكَ عَلَى سَابِقَةِ
ــ
[غمز عيون البصائر]
أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ مَشُوبٌ بِالْمِلْكِ وَالسِّيَاسَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُنْظَرَ فِيهِ إلَى جَانِبِ التَّقْوَى، وَبِذَلِكَ نَطَقَ الْكِتَابُ الْمَجِيدُ {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: ١٣] وَلِأَنَّهَا وِلَايَةٌ عَلَى الْأَمْوَالِ وَالْأَبْضَاعِ وَالْحُدُودِ وَبَذْلِ الْمَجْهُودِ، فَلَا يَقُومُ بِالْوَفَاءِ بِهَا إلَّا مَنْ عَظُمَ قَدْرُهُ وَوَرَعُهُ وَتَقْوَاهُ وَكَرُمَ خُلُقُهُ فَطَابَتْ أَرُومَتُهُ وَشَرُفَتْ جُرْثُومَتُهُ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِيهَا مَنْ اتَّصَفَ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ وَاتَّسَمَ بِهَذِهِ السِّمَاتِ فَتَمِيلَ إلَيْهِ الْقُلُوبُ وَتَخْضَعُ لَهُ الرِّقَابُ فَتَحْصُلُ الْمَصَالِحُ الدِّينِيَّةُ وَالدُّنْيَوِيَّةُ فَيُلَمُّ الشَّعَثُ وَيُشَدُّ الْفَتْقُ وَيُكْبَتُ الْحَاسِدُ وَيُقْمَعُ الْمُعَانِدُ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
[فَائِدَةٌ وَلَّى السُّلْطَانُ مُدَرِّسًا لَيْسَ بِأَهْلٍ]
(٢) قَوْلُهُ: لَمْ يَصِحَّ تَقْرِيرُهُ وَإِنْ كَانَ أَهْلًا لِلتَّدْرِيسِ وَذَلِكَ كَمَا لَوْ شَرَطَ مُدَرِّسًا حَنَفِيًّا فَوَلَّى السُّلْطَانُ أَوْ الْقَاضِي مُدَرِّسًا شَافِعِيًّا لَا يَصِحُّ وَإِنْ كَانَ أَهْلًا لِلتَّدْرِيسِ لِمُخَالَفَةِ شَرْطِ الْوَاقِفِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute