الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ الْيَقِينُ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ)
ــ
[غمز عيون البصائر]
[الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ الْيَقِينُ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ يَتَدَرَّجُ فِي هَذِهِ الْقَاعِدَةِ قَوَاعِدُ]
قَوْلُهُ: الْيَقِينُ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ، قِيلَ: لَا شَكَّ مَعَ الْيَقِينِ فَكَيْفَ يَرْتَفِعُ مَا لَا وُجُودَ لَهُ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: الْأَصْلُ الْيَقِينُ لَا يُزِيلُهُ شَكٌّ طَارِئٌ عَلَيْهِ، ثُمَّ الْيَقِينُ طُمَأْنِينَةُ الْقَلْبِ عَلَى حَقِيقَةِ الشَّيْءِ: يُقَالُ: يَقِنَ الْمَاءُ فِي الْحَوْضِ إذَا اسْتَقَرَّ فِيهِ وَالشَّكُّ لُغَةً مُطْلَقُ التَّرَدُّدِ وَفِي اصْطِلَاحِ الْأُصُولِ اسْتِوَاءُ طَرَفَيْ الشَّيْءِ، وَهُوَ فِي الْوُقُوفِ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ، بِحَيْثُ لَا يَمِيلُ الْقَلْبُ إلَى أَحَدِهِمَا، فَإِنْ تَرَجَّحَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَطْرَحْ الْآخَرَ فَهُوَ ظَنٌّ، فَإِنْ طَرَحَهُ فَهُوَ غَالِبُ الظَّنِّ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْيَقِينِ، وَإِنْ لَمْ يَتَرَجَّحْ فَهُوَ وَهْمٌ، وَأَمَّا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ فَهُوَ كَاللُّغَةِ فِي سَائِرِ الْأَبْوَابِ، لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُسَاوِي وَالرَّاجِحِ كَمَا زَعَمَ النَّوَوِيُّ، وَلَكِنْ هَذَا إنَّمَا قَالُوهُ فِي الْأَحْدَاثِ، وَقَدْ فَرَّقُوا فِي مَوَاضِيعَ كَثِيرَةٍ بَيْنَهُمَا، وَلِبَعْضِ مُتَأَخِّرِي الْأُصُولِيِّينَ عِبَارَةٌ أُخْرَى، أَوْ جُزْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ مَعَ زِيَادَةٍ عَلَى ذَلِكَ، وَهِيَ أَنَّ الْيَقِينَ جَزْمُ الْقَلْبِ مَعَ الِاسْتِنَادِ إلَى الدَّلِيلِ الْقَطْعِيِّ، وَالِاعْتِقَادُ جَزْمُ الْقَلْبِ مِنْ غَيْرِ اسْتِنَادٍ إلَى الدَّلِيلِ الْقَطْعِيِّ كَاعْتِقَادِ الْعَاصِي، وَالظَّنُّ تَجْوِيزُ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَقْوَى مِنْ الْآخَرِ،، وَالْوَهْمُ تَجْوِيزُ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَضْعَفُ مِنْ الْآخَرِ وَالشَّكُّ تَجْوِيزُ أَمْرَيْنِ لَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ (انْتَهَى) .
اعْلَمْ أَنَّ الشَّكَّ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: شَكٌّ طَرَأَ عَلَى أَصْلٍ حَرَامٍ، وَشَكٌّ طَرَأَ عَلَى أَصْلٍ مُبَاحٍ، وَشَكٌّ لَا يُعْرَفُ أَصْلُهُ، فَالْأَوَّلُ، مِثْلُ: أَنْ يَجِدَ شَاةً مَذْبُوحَةً فِي بَلَدٍ فِيهَا مُسْلِمُونَ وَمَجُوسُ فَلَا تَحِلُّ، حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهَا ذَكَاةُ مُسْلِمٍ؛ لِأَنَّ أَصْلَهَا حَرَامٌ وَشَكَكْنَا فِي الذَّكَاةِ الْمُبِيحَةِ، فَلَوْ كَانَ الْغَالِبُ فِيهَا الْمُسْلِمِينَ جَازَ الْأَكْلُ عَمَلًا بِالْغَالِبِ الْمُفِيدِ لِلطُّهُورِيَّةِ، وَالثَّانِي: أَنْ يَجِدَ مَاءً مُتَغَيِّرًا وَاحْتَمَلَ تَغَيُّرَهُ بِنَجَاسَةٍ، أَوْ طُولِ مُكْثٍ، يَجُوزُ التَّطْهِيرُ بِهِ عَمَلًا بِأَصْلِ الطَّهَارَةِ. وَالثَّالِثُ: مِثْلُ مُعَامَلَةِ مَنْ أَكْثَرُ مَالِهِ حَرَامٌ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ الْمَأْخُوذَ مِنْ مَالِهِ عَيْنُ الْحَرَامِ فَلَا تَحْرُمُ مُبَايَعَتُهُ لِإِمْكَانِ الْحَلَالِ وَعَدَمِ التَّحْرِيمِ، وَلَكِنْ يُكْرَهُ خَوْفًا مِنْ الْوُقُوعِ فِي الْحَرَامِ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. هَذَا وَقَدْ نُقِضَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ بِالْمَسْأَلَةِ الْأُصُولِيَّةِ، وَهُوَ جَوَازُ نَسْخِ الْقُرْآنِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِالْيَقِينِ الْقَطْعَ بَلْ إنَّ الشَّيْءَ الثَّابِتَ بِشَيْءٍ لَا يَرْتَفِعُ إلَّا بِمِثْلِهِ، وَالنَّصُّ وَخَبَرُ الْوَاحِدِ سَوَاءٌ فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ، وَهُوَ كَافٍ فِي الْأَحْكَامِ، كَذَا فِي قَوَاعِدِ الزَّرْكَشِيّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute