للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَائِدَةٌ: إذَا وَلَّى السُّلْطَانُ مُدَرِّسًا لَيْسَ بِأَهْلٍ لَمْ تَصِحَّ تَوْلِيَتُهُ؛ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ فِعْلَهُ مُقَيَّدٌ بِالْمَصْلَحَةِ وَلَا مَصْلَحَةَ فِي تَوْلِيَةِ غَيْرِ الْأَهْلِ خُصُوصًا أَنَّا نَعْلَمُ مِنْ سُلْطَانِ زَمَانِنَا أَنَّهُ إنَّمَا يُوَلَّى الْمُدَرِّسُ عَلَى اعْتِقَادِ الْأَهْلِيَّةِ فَكَأَنَّهَا كَالْمَشْرُوطَةِ. وَقَدْ قَالُوا فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ: لَوْ وَلَّى السُّلْطَانُ قَاضِيًا عَدْلًا فَفَسَقَ انْعَزَلَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا

ــ

[غمز عيون البصائر]

الشُّرُوطُ الَّتِي تَقْتَضِي الصَّلَاحِيَّةَ لِلْإِمَامَةِ نَوْعَانِ: فَنَوْعٌ يُشْتَرَطُ لِلْجَوَازِ وَنَوْعٌ يُشْتَرَط لِلِاسْتِحْبَابِ وَالْفَضِيلَةِ. فَشُرِطَ لِلْجَوَازِ مَا يُشْتَرَطُ لِلشَّهَادَةِ مَعَ التَّدَبُّرِ وَالشَّجَاعَةِ وَالشَّهَامَةِ ثُمَّ الْكَلَامُ فِيهِ مُتَنَوِّعٌ إلَى نَوْعَيْنِ: نَوْعٌ يَرْجِعُ إلَى نَفْسِهِ وَنَوْعٌ يَرْجِعُ إلَى نَسَبِهِ. فَنَبْدَأُ بِالْكَلَامِ فِي النَّسَبِ فَنَقُولُ: أَجْمَعَ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ عَلَى ذَلِكَ فَرَوَى الْإِمَامُ أَنَّهُ قَالَ: الْأَصْلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ قُرَيْشٍ وَبِهِ قَالَ جَمِيعُ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالشَّافِعِيُّ: وَقَالَ الرَّوَافِضُ: يَجِبُ الِاقْتِصَارُ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ وَعَيَّنُوا عَلِيًّا وَأَوْلَادَهُ وَهَذَا الْقَوْلُ بَاطِلٌ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ.

وَقَالَ ضِرَارُ بْنُ عُمَرَ الْغَطَفَانِيُّ: لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ قُرَيْشِيًّا أَوْ عَبْدًا حَبَشِيًّا، وَلَا مَزِيَّةَ وَلَا فَضِيلَةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ وَهُوَ بَاطِلٌ إذْ لَا شُبْهَةَ فِي فَضْلِ الْقُرَيْشِيِّ وَمَزِيَّتِهِ عَلَى غَيْرِهِ (انْتَهَى) .

أَقُولُ: نَقَلَ التَّقِيُّ السُّبْكِيُّ فِي فَتَاوَاهُ عَنْ ضِرَارِ بْنِ عُمَرَ الْغَطَفَانِيِّ مَا هُوَ أَبْدَعُ وَأَعْجَبُ مِمَّا ذُكِرَ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا اجْتَمَعَ قُرَشِيٌّ وَحَبَشِيٌّ كِلَاهُمَا قَائِمٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَالْوَاجِبُ تَقْدِيمُ الْحَبَشِيِّ؛ لِأَنَّهُ أَسْهَلُ لِخَلْعِهِ إذَا عَادَ مِنْ طَرِيقِهِ (انْتَهَى) . وَالْأَصْلُ أَنْ يَكُونَ قُرَشِيًّا وَيَجِبُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْقُرَشِيِّ وَإِنْ عُقِدَ الْعَقْدُ لِغَيْرِ الْقُرَشِيِّ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَصَّ عَلَى قُرَيْشٍ حَيْثُ قَالَ: «الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ» وَاحْتَجَّ الْمُخَالِفُ بِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «أَطِيعُوا وَلَوْ وُلِّيَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ مَا حَكَمَ بِكِتَابِ اللَّهِ فِيكُمْ» فَحَمَلَ الْإِمَامُ الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ عَلَى الْوُجُوبِ وَمَا رَوَى الْمُخَالِفُ عَلَى مَا إذَا أَنْفَذَ الْإِمَامُ سَرِيَّةً أَوْ جَيْشًا وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أَمِيرًا، يَجِبُ عَلَى الْعَسْكَرِ أَنْ يُطِيعُوهُ فِي أَمْرِ الْحَرْبِ عَمَلًا بِالدَّلَائِلِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ. هَذَا هُوَ الْكَلَامُ فِي نَسَبِهِ، أَمَّا الْكَلَامُ فِي صِفَاتِهِ فَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِلْجَوَازِ مَا يُشْتَرَطُ لِلشَّهَادَةِ عِنْدَنَا وَهُوَ أَنْ يَكُونَ حُرًّا بَالِغًا عَاقِلًا مُسْلِمًا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُضَمُّ إلَى هَذِهِ الْأَوْصَافِ كَوْنُهُ عَدْلًا حَتَّى لَوْ كَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>