إلَّا أَنَّ هَذَا إنْ صَحَّ لَمْ يَبْقَ لِكَلِمَتِهِمْ الْمَجْمَعِ عَلَيْهَا - أَعْنِي قَوْلَهُمْ: الْيَقِينُ لَا يَرْتَفِعُ بِالشَّكِّ - مَعْنًى ٨ - فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ ٩ - لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَثْبُتَ شَكٌّ فِي مَحَلِّ ثُبُوتِ الْيَقِينِ لِيُتَصَوَّرَ ثُبُوتُ شَكٍّ فِيهِ لَا يَرْتَفِعُ بِهِ ذَلِكَ الْيَقِينُ، فَمِنْ هَذَا حَقَّقَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّ الْمُرَادَ لَا يَرْتَفِعُ بِهِ حُكْمُ الْيَقِينِ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَخْلُصُ الْإِشْكَالُ فِي الْحُكْمِ لَا الدَّلِيلِ فَنَقُولُ: وَإِنْ ثَبَتَ الشَّكُّ فِي طَهَارَةِ الْبَاقِي وَنَجَاسَتِهِ لَكِنْ لَا يَرْتَفِعُ حُكْمُ ذَلِكَ الْيَقِينِ السَّابِقِ بِنَجَاسَتِهِ، وَهُوَ عَدَمُ جَوَازِ الصَّلَاةِ، فَلَا تَصِحُّ بَعْدَ غَسْلِ الطَّرَفِ؛ لِأَنَّ الشَّكَّ الطَّارِئَ لَا يَرْفَعُ حُكْمَ الْيَقِينِ السَّابِقِ، عَلَى مَا حُقِّقَ مِنْ أَنَّهُ هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِمْ: الْيَقِينُ لَا يَرْتَفِعُ بِالشَّكِّ فَغَسْلُ الْبَاقِي، وَالْحُكْمُ بِطَهَارَةِ الْبَاقِي مُشْكِلٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. انْتَهَى كَلَامُ فَتْحِ الْقَدِيرِ.
وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُمْ: الْقِسْمَةُ فِي الْمِثْلِيِّ مِنْ الْمُطَهِّرَاتِ يَعْنِي أَنَّهُ لَوْ تَنَجَّسَ بَعْضُ الْبُرِّ
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ، أَيْ حِينَ إذْ وَجَبَ ثُبُوتُ الشَّكِّ فِي كَوْنِ الطَّرَفِ الْمَغْسُولِ مَكَانَ النَّجَاسَةِ، وَالرَّجُلِ الْمُخْرَجِ، وَالْمَعْصُومِ الدَّمِ الشَّكَّ فِي طُهْرِ الْبَاقِي وَإِبَاحَةِ دَمِ الْبَاقِينَ.
(٩) قَوْلُهُ: لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَثْبُتَ شَكٌّ فِي مَحَلِّ ثُبُوتِ الْيَقِينِ إلَخْ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ قَدْ يُتَصَوَّرُ فِيمَا إذَا ثَبَتَ حُكْمٌ بِمَحَلٍّ مَعْلُومٍ، ثُمَّ شَكَّ فِي زَوَالِهِ عَنْهُ بِاحْتِمَالِ وُجُودِ دَلِيلِ الزَّوَالِ وَعَدَمِهِ عَلَى السَّوَاءِ، كَمَا إذَا شَكَّ فِي الْحَدَثِ بَعْدَ تَيَقُّنِ الطَّهَارَةِ، أَوْ عَكْسِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ كَالطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ، بِخِلَافِ مِثْلِ مَسْأَلَةِ الثَّوْبِ وَالذِّمِّيِّ فَإِنَّ النَّجَاسَةَ وَحُرْمَةَ الْقَتْلِ لَمْ يَثْبُتَا يَقِينًا لِمَحَلٍّ مَعْلُومٍ بَلْ تَثْبُتُ لِمَجْهُولٍ، مَعَ أَنَّ ضِدَّهُمَا، وَهِيَ الطَّهَارَةُ وَحِلُّ الْقَتْلِ ثَابِتٌ بِيَقِينٍ لِمَحَلٍّ مَعْلُومِ إلَّا أَنَّهُ امْتَنَعَ الْعَمَلُ بِهِ لِثُبُوتِ ذَلِكَ الْمَجْهُولِ فِيهِ يَقِينًا،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute