للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَجَوَّزْنَاهَا بِالْمَعْدُومِ وَلَمْ نُبْطِلْهَا بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ.

، وَمِنْهُ إسْقَاطُ الْإِثْمِ عَنْ الْمُجْتَهِدِينَ فِي الْخَطَأِ وَالتَّيْسِيرِ عَلَيْهِمْ بِالِاكْتِفَاءِ بِالظَّنِّ وَلَوْ كُلِّفُوا الْأَخْذَ بِالْيَقِينِ لَشَقَّ وَعَسُرَ الْوُصُولُ إلَيْهِ وَوَسَّعَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي بَابِ الْقَضَاءِ وَالشَّهَادَاتِ تَيْسِيرًا، فَصَحَّحَ تَوْلِيَةَ الْفَاسِقِ، ٥٦ - وَقَالَ: إنَّ فِسْقَهُ لَا يَعْزِلُهُ، وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّهُ،

ــ

[غمز عيون البصائر]

قَوْلُهُ: فَجَوَّزْنَاهَا بِالْمَعْدُومِ قِيلَ: إطْلَاقُهُ فِي الْمَعْدُومِ غَيْرُ صَحِيحٍ بَلْ هُوَ فِي مَعْدُومٍ خَاصٍّ وَهُوَ الثَّمَرَةُ وَنَحْوُهَا مِمَّا يَقْبَلُ التَّمْلِيكَ بِعَقْدٍ مِنْ الْعُقُودِ، أَمَّا لَوْ، أَوْصَى بِمَا تَلِدُ أَغْنَامُهُ لَا يَجُوزُ اسْتِحْسَانًا وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْهُ بِأَنَّ اللَّامَ فِي الْمَعْدُومِ لِلْعَهْدِ، وَالْمَعْهُودُ مَا ذَكَرْنَا.

قَوْلُهُ: وَقَالَ إنَّ فِسْقَهُ لَا يَعْزِلُهُ. هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَأَطْلَقَ الْفِسْقَ فَشَمِلَ الْفِسْقَ بِأَخْذِ الرِّشْوَةِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْبَحْرِ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ لَوْ أَخَذَ الْقَضَاءَ بِالرِّشْوَةِ، أَوْ قَضَى فِيمَا ارْتَشَى. نَقَلَ فِي الْخَانِيَّةِ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ فِيمَا ارْتَشَى وَنَقَلَ فِي الْعِمَادِيَّةِ خِلَافًا فِيهِ وَيَنْفُذُ فِيمَا سِوَاهُ، وَهُوَ اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ، وَقِيلَ: يَنْفُذُ فِيهَا وَحُجَّتُهُ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّ حَاصِلَ أَمْرِ الرِّشْوَةِ فِيمَا إذْ قَضَى بِحَقِّ إيجَابِهَا فِسْقُهُ وَقَدْ فَرَضَ أَنَّ الْفِسْقَ لَا يُوجِبُ الْعَزْلَ، فَوَلَائِيَّتُهُ وَقَضَاؤُهُ بِحَقِّ فَلِمَ لَا يَنْفُذُ وَخُصُوصُ هَذَا الْفِسْقِ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ، وَغَايَةُ مَا وُجِّهَ بِهِ أَنَّهُ إذْ ارْتَشَى عَامِلٌ لِنَفْسِهِ يَعْنِي وَالْقَضَاءُ عَمَلٌ لِلَّهِ تَعَالَى (انْتَهَى) .

وَبَحَثَ فِيهِ فِي الْبَحْرِ بِأَنْ لَيْسَ هَذَا مُرَادَهُمْ بَلْ مُرَادُهُمْ أَنَّهُ قَضَى لِنَفْسِهِ يَعْنِي وَالْقَضَاءُ لِنَفْسِهِ بَاطِلٌ (انْتَهَى) .

وَقِيلَ عَلَيْهِ: كَيْفَ يُجْعَلُ قَضَاءُ الْقَاضِي لِلْمُدَّعِي عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَضَاءً لِنَفْسِهِ، وَهُوَ إنَّمَا قَضَى لِبَكْرٍ مَثَلًا عَلَى عُمَرَ، وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ أَخَذَ عَلَى قَضَائِهِ بِالْحَقِّ مَالًا فَصَارَ عَامِلًا لِنَفْسِهِ، وَالْقَضَاءُ عَمَلٌ لِلَّهِ تَعَالَى.

فَبَحْثُ صَاحِبِ الْفَتْحِ مُتَّجَهٌ لَكِنْ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ الْمُعْتَبَرَةِ: أَنَّهُ لَوْ ارْتَشَى وَقَضَى لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ فِيمَا ارْتَشَى، وَفِي السِّرَاجِ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَوْ قَضَى الْقَاضِي زَمَانًا بَيْنَ النَّاسِ، ثُمَّ عُلِمَ أَنَّهُ مُرْتَشٍ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي الَّذِي يَخْتَصِمُونَ إلَيْهِ أَنْ يُبْطِلَ كُلَّ قَضَايَاهُ (انْتَهَى) .

وَفِي مِنَحِ الْغَفَّارِ: أَخَذَ الْقَضَاءَ بِرِشْوَةٍ أَوْ ارْتَشَى وَحَكَمَ لَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأُولَى لَمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>