سَوَاءٌ قُلْنَا إنَّهَا شَرْطُ الصِّحَّةِ كَمَا فِي الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ أَوْ لَا كَمَا فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ. ٤ -
وَعَلَى هَذَا ٥ - قَرَّرُوا حَدِيثَ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» أَنَّهُ مِنْ بَابِ الْمُقْتَضَى،
ــ
[غمز عيون البصائر]
سَوَاءٌ قُلْنَا إنَّهُ: شَرَطَ الصِّحَّةَ كَمَا فِي الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْجَمْعِ.
أَوْ لَا كَمَا فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ: تَعْمِيمٌ فِي قَوْلِهِ: صَرَّحُوا بِهِ الْمَشَايِخُ.
(٤) وَعَلَى هَذَا: أَيْ عَلَى مَا ذَكَرَ مِنْ أَنَّهُ لَا ثَوَابَ إلَّا بِالنِّيَّةِ فَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ مُتَعَلِّقٌ بِالْفِعْلِ الَّذِي بَعْدَهُ وَقُدِّمَ عَلَيْهِ لِإِفَادَةِ الْحَصْرِ.
(٥) قَرَّرُوا حَدِيثَ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» أَنَّهُ مِنْ بَابِ الْمُقْتَضَى: أَيْ مِنْ قَبِيلِ الدَّلَالَةِ فِيهِ بِاقْتِضَاءِ النَّصِّ لَا بِعِبَارَتِهِ وَالْمُقْتَضَى بِفَتْحِ الضَّادِ اللَّازِمُ الْمُتَقَدِّمُ الَّذِي اقْتَضَى النَّصُّ تَقْدِيرَهُ، لِتَوَقُّفِ صِدْقِ الْمَنْطُوقِ عَلَيْهِ وَصِحَّتِهِ شَرْعًا أَوْ عَقْلًا، كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْمُتَقَدِّمِينَ وَأَمَّا عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ، كَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ، فَمِنْ بَابِ الْمُضْمَرِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُقْتَضَى عِنْدَهُمْ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْمَنْطُوقُ شَرْعًا فَقَطْ؛ وَالْمُتَوَقَّف عَلَيْهِ هُنَا إنَّمَا هُوَ صِدْقُ الْمُتَكَلِّمِ لَا الصِّحَّةُ الشَّرْعِيَّةُ، فَيَكُونَ مُضْمَرًا لَا مُقْتَضًى.
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمُقْتَضَى ثَابِتٌ شَرْعًا وَالْمُضْمَرُ ثَابِتٌ لُغَةً.
وَفَرْقٌ آخَرُ هُوَ أَنَّ الْمُقْتَضَى لَا عُمُومَ لَهُ عِنْدَنَا وَالْمُضْمَرُ لَهُ عُمُومٌ بِالْإِجْمَاعِ، يَعْنِي مَا عَدَا صَدْرَ الْإِسْلَامِ.
وَثَمَّ فُرُوقٌ أُخَرُ مَذْكُورَةٌ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ.
لَا يُقَالُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَعُمَّ ذَلِكَ الْمُقَدَّرُ عَلَى جِهَةِ الْإِضْمَارِ عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ، فَلَمَّا لَمْ يَعُمَّ، دَلَّ عَلَى أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْمُقْتَضَى لِأَنَّا نَقُولُ إنَّ عَدَمَ الْعُمُومِ فِي الْحَدِيثِ لَيْسَ لِأَجْلِ أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْمُقْتَضَى، بَلْ لِأَنَّ الْمُضْمَرَ وَإِنْ جَازَ عُمُومُهُ كَمَا مَرَّ، لَكِنَّ الْأَعْمَالَ لَمَّا أُضِيفَتْ إلَى غَيْرِ مَحِلِّهَا، وَهُوَ النِّيَّةُ لِتَحَقُّقِ الْأَعْمَالِ بِدُونِهَا كَثِيرًا؛ فَاحْتِيجَ إلَى إضْمَارِ مَحِلٍّ يَحْتَمِلُ النِّيَّةَ.
وَمَا أُضْمِرَ هُنَا هُوَ الْحُكْمُ فَإِنَّهُ الْمُنَاسِبُ لِمَا ذَكَرْنَا وَهُوَ يَحْتَمِلُ الْحُكْمَ الدُّنْيَوِيَّ وَهُوَ الْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ وَالْأُخْرَوِيَّ وَهُوَ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ فَلَمَّا كَانَ مُحْتَمِلًا لَهُمَا لَمْ يَكُنْ إطْلَاقُهُ دَالًّا عَلَى أَحَدِهِمَا عَلَى التَّعْيِينِ فَكَانَ مُشْتَرِكًا وَالْمُشْتَرِكُ لَا عُمُومَ لَهُ عِنْدَنَا بَلْ حُكْمُهُ التَّوَقُّفُ حَتَّى يَقُومَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ الْمُرَادُ لَكِنْ قَامَ الدَّلِيلُ هُنَا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحُكْمِ الْحُكْمُ الْأُخْرَوِيُّ وَهُوَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنْ لَا ثَوَابَ وَلَا عِقَابَ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ وَغَيْرُهُمْ مِنْ حَدِيثٍ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَالْعَجَبُ أَنَّ مَالِكًا لَمْ يُخْرِجْهُ