وَكَانَ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ عَلَى التَّعْيِينِ
٢٢ - فَلَا يَصِحُّ النَّذْرُ بِالْمَعَاصِي وَلَا بِالْوَاجِبَاتِ؛ فَلَوْ نَذَرَ حَجَّةَ
ــ
[غمز عيون البصائر]
النَّذْرِ إلَّا إذَا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى خِلَافِهِ، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِئَلَّا يَرِدَ النَّذْرُ بِالْحَجِّ مَاشِيًا وَالِاعْتِكَافُ وَإِعْتَاقُ الرَّقَبَةِ، فَإِنَّ النَّذْرَ بِهَا صَحِيحٌ مَعَ أَنَّ الْحَجَّ بِصِفَةِ الْمَشْيِ غَيْرُ وَاجِبٍ. وَكَذَا الِاعْتِكَافُ وَكَذَا نَفْسُ الْإِعْتَاقِ مِنْ غَيْرِ مُبَاشَرَةِ سَبَبٍ مُوجِبٍ لَهُ وَفِيهِ نَظَرٌ، بَلْ إنَّمَا يَصِحُّ النَّذْرُ بِهَا لِأَنَّ مِنْ جِنْسِهَا وَاجِبٌ، أَمَّا الْحَجُّ فَلِمَا صَرَّحَ الشَّارِحُ بِهِ مِنْ أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ وَمَنْ حَوْلَهُ لَا تُشْتَرَطُ فِي حَقِّهِمْ الرَّاحِلَةُ بَلْ يَجِبُ الْمَشْيُ عَلَى الْقَادِرِ مِنْهُمْ، وَأَمَّا الِاعْتِكَافُ فَلِأَنَّ الْقَعْدَةَ الْأَخِيرَةَ فِي الصَّلَاةِ فَرْضٌ وَهِيَ لُبْثٌ كَالِاعْتِكَافِ، وَأَمَّا الْإِعْتَاقُ فَلِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبًا وَهُوَ الْإِعْتَاقُ فِي الْكَفَّارَةِ، وَأَمَّا كَوْنُهُ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ فَلَيْسَ بِمُرَادٍ. كَذَا فِي الْبَحْرِ وَجَعَلَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ جِنْسَ الْوَاجِبِ فِي الِاعْتِكَافِ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ لِأَنَّ الْجِنْسَ وَاللُّبْثَ وُقُوفٌ. كَذَا فِي النَّهْرِ.
بَقِيَ أَنْ يُقَالَ: نَذْرُ الْوَقْفِ يَصِحُّ وَلَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ وَمَا قِيلَ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ وَهُوَ أَنْ يَجِبَ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَقِفَ مَسْجِدًا مِنْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ شَيْءٌ فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ. كَمَا فِي الْفَتْحِ وَفِيهِ نَظَرٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْإِمَامِ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ مَا فِي بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى يَصِحَّ وَقْفُهُ بَلْ ذَلِكَ إرْصَادٌ وَالْإِرْصَادُ غَيْرُ الْوَقْفِ. (٢١) قَوْلُهُ: وَكَانَ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ عَلَى التَّعْيِينِ إلَخْ. أَقُولُ: أَوْ كَانَ مُشْتَمِلًا عَلَى وَاجِبٍ كَمَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ، وَحِينَئِذٍ لَا حَاجَةَ إلَى أَنْ يُقَالَ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ الِاعْتِكَافُ بِالنَّذْرِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ بِالنَّذْرِ مَا كَانَ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ لِلَّهِ تَعَالَى، أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فَلَا يَصِحُّ كَالِاعْتِكَافِ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَلَا حَاجَةَ إلَى مَا تَكَلَّفَ مِنْ الْجَوَابِ بِأَنَّ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبًا وَهُوَ اللُّبْثُ بِعَرَفَةَ يَوْمَ عَرَفَةَ، وَهُوَ الْوُقُوفُ أَوْ اللُّبْثُ فِي الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ لِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ لَكِنَّهُ يَشْتَمِلُ عَلَى الْوَاجِبِ وَهُوَ الصَّوْمُ لِأَنَّهُ شَرْطُ صِحَّتِهِ، إذَا كَانَ مَنْذُورًا وَقَوْلُهُ عَلَى التَّعْيِينِ يُنْظَرُ مَا الْمُرَادُ بِهِ هَلْ الْمُرَادُ بِهِ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا عَيْنًا لَا كِفَايَةً أَوْ الْمُرَادُ بِهِ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا غَيْرَ مُخَيَّرٍ فِيهِ وَيُحَرَّرُ ذَلِكَ
(٢٢) قَوْلُهُ: فَلَا يَصِحُّ النَّذْرُ بِالْمَعَاصِي إلَخْ. هَذَا بِظَاهِرِهِ مُضَادٌّ لِقَوْلِهِمْ بِصِحَّةِ نَذْرِ صَوْمِ أَيَّامِ النَّحْرِ، فَيَجِبُ أَنْ يُرَادَ كَوْنُ الْمَعْصِيَةِ بِاعْتِبَارِ نَفْسِهِ كَالنَّذْرِ بِالزِّنَا وَشُرْبِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute