لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَجْنُونَةِ وَالْعَاقِلَةِ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ بِجِمَاعِهِمَا
ــ
[غمز عيون البصائر]
الشُّهُورُ كُلُّهَا مُذَكَّرَةٌ إلَّا جُمَادَى وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْهَا يُضَافُ إلَيْهِ شَهْرٌ إلَّا شَهْرَ رَبِيعٍ وَشَهْرَ رَمَضَانَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} [البقرة: ١٨٥] وَقَالَ الرَّاعِي (ع) شَهْرُ رَبِيعٍ مَا يُدَوَّنُ لِيَوْمِهِمْ. فَمَا كَانَ مِنْ أَسْمَائِهَا اسْمًا بِشَهْرٍ أَوْ صِفَةً قَامَتْ مَقَامَ الِاسْمِ فَهُوَ الَّذِي لَمْ يَجُزْ أَنْ يُضَافَ الشَّهْرُ إلَيْهِ وَلَا يُذْكَرَ مَعَهُ كَالْمُحْرِمِ إنَّمَا مَعْنَاهُ الشَّهْرُ الْمُحَرَّمُ وَهُوَ مِنْ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ وَكَصَفَرٍ وَهُوَ اسْمُ مَعْرِفَةٍ كَزَيْدٍ مِنْ قَوْلِهِمْ صَفَرَ الْإِنَاءُ إذَا خَلَا، وَجُمَادَى مَعْرِفَةٌ وَلَيْسَتْ بِصِفَةٍ وَهِيَ مِنْ جُمُودِ الْمَاءِ، وَرَجَبٌ وَهُوَ اسْمُ مَعْرِفَةٍ مُصَلٍّ صَفَرَ مِنْ قَوْلِهِمْ رَجَبْت الشَّيْءَ عَظَّمْته بِأَنَّهُ مِنْ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ، وَشَعْبَانُ صِفَةٌ بِمَنْزِلَةِ عَطْشَانَ مِنْ التَّشَعُّبِ وَالتَّفَرُّقِ وَشَوَّالٌ صِفَةٌ جَرَتْ مَجْرَى الِاسْمِ وَصَارَتْ مَعْرِفَةً وَفِيهِ تَشُولُ الْإِبِلُ، وَذُو الْقَعْدَةِ صِفَةٌ قَامَتْ مَقَامَ الشَّهْرِ مِنْ الْقُعُودِ عَنْ التَّصَرُّفِ، كَقَوْلِكَ: هَذَا الرَّجُلُ ذُو الْجِلْسَةِ فَإِذَا حَذَفْت الرَّجُلَ قُلْت ذُو الْجِلْسَةِ وَذُو الْحِجَّةِ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْحَجِّ وَأَمَّا الرَّبِيعَانِ وَرَمَضَانُ فَلَيْسَتْ بِأَسْمَاءٍ لِلشُّهُورِ وَلَا صِفَاتٍ لَهَا فَلَا بُدَّ مِنْ إضَافَةِ شَهْرٍ كَقَوْلِك شَهْرُ رَبِيعٍ وَشَهْرُ رَمَضَانَ (انْتَهَى) .
وَمِنْهُ يَظْهَرُ لَكَ عِلَّةُ ذِكْرِ الشَّهْرِ مَعَ رَمَضَانَ وَالرَّبِيعَيْنِ وَإِنَّ ذِكْرَ الشَّهْرِ لَا بُدَّ مِنْهُ مَعَهَا، وَإِنَّ ذِكْرَ الشَّهْرِ مَعَ رَجَبٍ خَطَأٌ وَإِنَّ الصَّفَدِيَّ قَدْ وُهِمَ فِي عَدِّ رَجَبٍ فِيمَا يُضَافُ إلَيْهِ الشَّهْرُ وَإِنَّ ابْنَ هِشَامٍ قَدْ وُهِمَ فِي جَعْلِ ذِكْرِ الشَّهْرِ مَعَهَا جَائِزًا لَا لَازِمًا كَمَا نَقَلَ ذَلِكَ عَنْهُ مَنْ قَالَ:
إنْ حَادِيَ عِشْرِينَ شَهْرُ جُمَادَى ... فِي كَلَامِ الشُّهُودِ لَحْنٌ قَبِيحُ
ذَكَرُوا الشَّهْرَ وَهُوَ مَعَ رَمَضَانَ ... وَالرَّبِيعَيْنِ غَيْرَ ذَا لَمْ يُبِيحُوا
وَتَعُدُّوا فِي حَذْفِ وَاوِ وَثَبَاتُ ... النُّونِ وَالْعَكْسُ حُكْمٌ صَحِيحُ
قَالَ ذَاكَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ هِشَامٍ ... جَادَ مَثْوَاهُ صَوْبَ غَيْثٍ فَسِيحِ
(٣٣) قَوْلُهُ: لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَجْنُونَةِ وَالْعَاقِلَةِ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ إلَخْ. أَيْ عَلَى الْعَاقِلِ الْبَالِغِ الْغَيْرِ الْمُكْرَهِ، وَأَمَّا الْمُكْرَهُ فَكَانَ الْإِمَامُ يَقُولُ تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّ انْتِشَارَ آلَتِهِ إمَارَةُ الِاخْتِيَارِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ وَقَالَ: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. وَهُوَ قَوْلُهُمَا لِأَنَّ انْتِشَارَ آلَتِهِ غَيْرُ مُفْسِدٍ وَإِنَّمَا فَسَدَ صَوْمُهُ بِالْإِيلَاجِ وَهُوَ كَانَ مُكْرَهًا فِيهِ. كَذَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ الْمَلَكِيِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute