للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَيْسَ لَنَا عِبَادَةٌ شُرِعَتْ مِنْ عَهْدِ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلَى الْآنَ ثُمَّ تَسْتَمِرُّ فِي الْجَنَّةِ ٨ - إلَّا الْإِيمَانُ، وَالنِّكَاحُ

الْمَوْلَى يَسْتَوْجِبُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنًا؛

ــ

[غمز عيون البصائر]

قَوْلُهُ: لَيْسَ لَنَا عِبَادَةٌ شُرِعَتْ مِنْ عَهْدِ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلَخْ. قَالَ ابْنُ الْخَطِيبِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ السَّجْدَةِ: وَاعْلَمْ أَنَّ التَّكَالِيفَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَإِنْ ارْتَفَعَتْ، لَكِنَّ الذِّكْرَ وَالشُّكْرَ لَا يَرْتَفِعُ بَلْ الْعَبْدُ يَعْبُدُ رَبَّهُ فِي الْجَنَّةِ أَكْثَرَ مِمَّا يَعْبُدُهُ فِي الدُّنْيَا وَكَيْف لَا وَقَدْ صَارَ حَالُهُ كَحَالِ الْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي حَقِّهِمْ {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ} [الأنبياء: ٢٠] عَنْ عِبَادَتِهِ. غَايَةَ مَا فِي الْبَابِ، أَنَّ الْعِبَادَةَ لَيْسَتْ عَلَيْهِمْ بِتَكَالِيفَ بَلْ هِيَ مُقْتَضَى الطَّبْعِ مِنْ جُمْلَةِ الْأَسْبَابِ الْمُوجِبَةِ لِدَوَامِ نَعِيمِ الْجَنَّةِ، وَهَذَا كَيْفَ وَلِخِدْمَةِ الْمُلُوكِ لَذَّةٌ وَشَرَفٌ فَلَا تُتْرَكُ وَإِنْ قَرُبَ مِنْهُ، بَلْ تَزْدَادُ لَذَّتُهَا. (٨) قَوْلُهُ: إلَّا الْإِيمَانُ وَالنِّكَاحُ إلَخْ. الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالنِّكَاحِ هُنَا الْوَطْءُ لَا الْعَقْدُ، وَإِنْ كَانَ حَقِيقَةً فِي الْعَقْدِ عِنْدَكَ، قَالَ الْبَغَوِيّ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ} [الدخان: ٥٤] أَيْ قَرَّبْنَاهُمْ بِهِنَّ لَيْسَ مِنْ عَقْدِ التَّزْوِيجِ، لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ: زَوَّجْتُهُ بِامْرَأَةٍ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: جَعَلْنَاهُمْ أَزْوَاجًا كَمَا يُزَوَّجُ النَّعْلُ بِالنَّعْلِ، أَيْ جَعَلْنَاهُمْ اثْنَيْنِ بِاثْنَيْنِ. بَقِيَ أَنْ يُقَالَ: إنَّ النِّكَاحَ بِمَعْنَى الْوَطْءِ إنَّمَا كَانَ عِبَادَةً فِي الدُّنْيَا بِاعْتِبَارِ قَصْدِ التَّنَاسُلِ الْمَطْلُوبِ شَرْعًا، وَذَلِكَ مَفْقُودٌ فِي الْآخِرَةِ فَلْيُحْرَزْ.

وَقَدْ سُئِلَ الْإِمَامُ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ عَنْ الرَّجُلِ السَّعِيدِ، فِي دُنْيَاهُ يَتَمَنَّى الْوَلَدَ وَلَا يَتَمَنَّاهُ فِي الْجَنَّةِ. فَقَالَ تَمَنَّى النَّاسُ أَوْلَادًا فِي الدُّنْيَا لِحُبِّهِمْ فِيهَا حَتَّى إذَا انْقَرَضُوا تَبْقَى لَهُمْ نَعِيمُهُمْ بِبَقَاءِ الْوَلَدِ، وَقَدْ أَمِنُوا الِانْقِرَاضَ فِي الْجَنَّةِ. كَذَا فِي الطَّبَقَاتِ التَّاجِيَّةِ. هَذَا وَقَدْ رُفِعَ سُؤَالٌ لِلْعَلَّامَةِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي شَرِيفٍ الشَّافِعِيِّ. صُورَتُهُ: هَلْ فِي الْجَنَّةِ تَزَوُّجٌ وَوِلَادَةٌ كَحَالِ الدُّنْيَا، أَمْ حَالُ الْآخِرَةِ خِلَافَ حَالِ الدُّنْيَا؟ فَأَجَابَ: قَدْ وَقَعَ خِلَافٌ مِنْ السَّلَفِ فِي الْوَلَدِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَكُونُ الْوَضْعُ وَالْحَمْلُ وَالسِّنُّ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ. وَاسْتَنَدُوا فِي ذَلِكَ إلَى مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: «الْمُؤْمِنُ إذَا اشْتَهَى الْوَلَدَ فِي الْجَنَّةِ كَانَ حَمْلُهُ وَوَضْعُهُ وَسِنُّهُ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا يَشْتَهِي» . قَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>