للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلَّا فِي الْإِقْرَارِ بِالْحُدُودِ الْخَالِصَةِ

ــ

[غمز عيون البصائر]

أَبِي بَكْرِ بْنِ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ: يَنْفُذُ مِنْ السَّكْرَانِ كُلُّ مَا يَنْفُذُ مَعَ الْهَزْلِ وَلَا يُبْطِلُهُ الشَّرْطُ فَلَا يَنْعَقِدُ مِنْهُ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ (انْتَهَى) .

وَظَاهِرُهُ أَيْضًا: سَوَاءٌ كَانَ طَائِعًا فِي الشُّرْبِ أَوْ مُكْرَهًا.

وَهُوَ قَوْلٌ فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ إذَا سَكِرَ بِالشُّرْبِ مُكْرَهًا، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ، كَمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ.

وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَيْضًا أَنَّ تَصَرُّفَاتِ مَنْ سَكِرَ بِالْبَنْجِ نَافِذَةٌ؛ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ تَحْتَ عُمُومِ السَّكْرَانِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ عَلَى مَا صَحَّحَهُ فِي الْخَانِيَّةِ، فَيُقَيَّدُ كَلَامُهُ بِالسَّكْرَانِ مِنْ غَيْرِ الْبَنْجِ، وَفِي تَصْحِيحِ الْقُدُورِيِّ لِلْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ نَقْلًا عَنْ الْجَوَاهِرِ: فِي هَذَا الزَّمَانِ إذَا سَكِرَ مِنْ الْبَنْجِ يَقَعُ طَلَاقُهُ زَجْرًا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى.

وَفِي النِّهَايَةِ: الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ يُحَدُّ شَارِبُهُ لِفَشْوِ هَذَا الْفِعْلِ فِي هَذَا الزَّمَانِ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ (انْتَهَى) .

وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: أَنَّ مَنْ شَرِبَ الْبَنْجَ إنْ كَانَ يَعْلَمُ حِينَ شَرِبَهُ أَنَّهُ مَا هُوَ فَطَلَّقَ امْرَأَتَهُ يَقَعُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ لَا.

قَالَ قَاضِي خَانْ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّهُ شِرْبٌ لِلدَّوَاءِ وَالتَّعْلِيلُ يُنَادِي بِحُرْمَتِهِ لَا لِلدَّوَاءِ، وَلَوْ مِنْ الْأَشْرِبَةِ مِنْ الْحُبُوبِ وَالْعَسَلِ فَسَكِرَ؛ الْمُخْتَارُ فِي زَمَانِنَا لُزُومُ الْحَدِّ، لِأَنَّ الْفُسَّاقَ يَجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ وَكَذَا الْمُخْتَارُ: وُقُوعُ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ يُحْتَالُ لِدَرْئِهِ وَالطَّلَاقُ يُحْتَاطُ فِيهِ، فَلَمَّا وَجَبَ مَا يُحْتَالُ؛ لَأَنْ يَقَعَ مَا يُحْتَاطُ أَوْلَى، وَقَدْ طَالَبَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ بِالْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السُّكْرِ مِنْ الْمُبَاحِ كَالْمُثَلَّثِ فَعَجَزَ، ثُمَّ قَالَ: وَجَدْت نَصًّا صَرِيحًا عَلَى لُزُومِ الْحَدِّ (انْتَهَى) .

وَعَلَيْهِ فَلَا يَحْتَاجُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ إلَى التَّقْيِيدِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ يَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ

وَقَدْ صَرَّحَ الْحَدَّادِيُّ بِحُرْمَةِ أَكْلِ الْبَنْجِ فَيَظْهَرُ الزَّجْرُ فِيهِ لِذَلِكَ، وَالْجَوَابُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَا عَدَا هَذَا أَنَّهُ أُطْلِقَ اعْتِمَادًا عَلَى مَا يَأْتِي فِي أَحْكَامِ السَّكْرَانِ.

(٢) قَوْلُهُ: إلَّا فِي الْإِقْرَارِ إلَخْ.

فَلَا يَكُونُ كَالصَّاحِي لِزِيَادَةِ احْتِمَالِ الْكَذِبِ فِي إقْرَارِهِ، فَيُحْتَالُ لِدَرْءِ الْحَدِّ؛ لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَيُفْهَمُ مِنْ تَقْيِيدِهِ الْحُدُودَ بِالْخَالِصَةِ أَنَّ فِي إقْرَارِهِ بِحَدِّ الْقَذْفِ يَكُونُ كَالصَّاحِي.

وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْعِمَادِيَّةِ فَقَالَ: وَإِذَا أَقَرَّ بِشَيْءٍ مِنْ الْحُدُودِ لَمْ يُحَدَّ إلَّا فِي حَدِّ الْقَذْفِ، يَعْنِي لِأَنَّ فِيهِ حَقَّ الْعَبْدِ، وَالسَّكْرَانُ فِي حَقِّ الْعَبْدِ كَالصَّاحِي

وَذَكَرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: السَّكْرَانُ يُلْحَقُ بِالصَّاحِي فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ سِوَى حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى عُقُوبَةً لَهُ (انْتَهَى) .

وَذَكَرَ فِيهَا: وَإِذَا أَقَرَّ أَنَّهُ سَكِرَ مِنْ الْخَمْرِ طَائِعًا لَمْ يُحَدَّ حَتَّى يَصْحُوَ فَيُقِرَّ أَوْ تَقُومَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>