قَالَ التَّاجِرُ إنَّ الْكُفَّارَ وَدَارَ الْحَرْبِ خَيْرٌ مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ لَا يَكْفُرُ إلَّا إذَا أَرَادَ أَنَّ دِينَهُمْ خَيْرٌ
٤٩ - وَلَا يَكْفُرُ بِقَوْلِ الْمُسَلِّمِ عَلَيْهِ إنْ رَدِّيت السَّلَامَ ارْتَكَبْت كَبِيرَةً عَظِيمَةً وَلَا يَكْفُرُ بِقَوْلِهِ: ٥٠ - لَا تُعْجَبْ فَتَهْلَكْ، فَإِنَّ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أُعْجِبَ بِنَفْسِهِ فَهَلَكَ. ٥١ - وَيَسْتَفْسِرُ فَإِنْ فَسَّرَهُ بِمَا يَكُونُ كُفْرًا كَفَرَ
ــ
[غمز عيون البصائر]
مَعْرِفَةُ وُجُودِهِ فَالْكُفْرُ ظَاهِرٌ، وَإِنْ أَرَادَتْ أَنَّهَا لَا تَعْرِفُهُ حَقَّ مَعْرِفَتِهِ فَفِي الْكُفْرِ نَظَرٌ، كَيْفَ وَقَدْ قَالَ الصِّدِّيقُ الْعَجْزُ عَنْ دَرْكِ الْإِدْرَاكِ إدْرَاكٌ، وَالْبَحْثُ عَنْ كُنْهِ ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى إشْرَاكٌ وَلِلَّهِ دَرُّ الرَّئِيسِ عَلِيِّ بْنِ سِينَا حَيْثُ قَالَ:
اعْتِصَامُ الْوَرَى بِمَعْرِفَتِك ... عَجَزَ الْوَاصِفُونَ عَنْ صِفَتِك
اُلْطُفْ بِنَا فَإِنَّنَا بَشَرٌ ... مَا عَرَفْنَاك حَقَّ مَعْرِفَتِك
أَقُولُ: يُشْكِلُ عَلَى هَذَا مَا نُقِلَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِأَنَّهُ قَالَ وَهُوَ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ سُبْحَانَك مَا عَبَدْنَاك حَقَّ عِبَادَتِك، وَلَكِنْ عَرَفْنَاك حَقَّ مَعْرِفَتِك. وَيَحْتَاجُ إلَى الْجَوَابِ عَنْهُ أَقُولُ: الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ أَنَّ مُرَادَهُ مِنْ نَفْيِ حَقِّ الْمَعْرِفَةِ مَعْرِفَتُهُ بِكُنْهِ ذَاتِهِ وَمُرَادُ الْإِمَامِ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَعْرِفَتُهُ حَقَّ مَعْرِفَتِهِ بِصِفَاتِهِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ
(٤٨) قَوْلُهُ: قَالَ التَّاجِرُ: إنَّ الْكُفَّارَ وَدَارَ الْحَرْبِ إلَخْ اتَّفَقَ مَشَايِخُنَا أَنَّ مَنْ رَأَى أَمْرَ الْكُفَّارِ حَسَنًا فَقَدْ كَفَرَ، حَتَّى قَالُوا فِي رَجُلٍ قَالَ: تَرَكَ الْكَلَامِ عِنْدَ أَكْلِ الطَّعَامِ حَسَنٌ مِنْ الْمَجُوسِ، أَوْ تَرْكُ الْمُضَاجَعَةِ عِنْدَهُمْ حَالَ الْحَيْضِ حَسَنٌ فَهُوَ كَافِرٌ
(٤٩) قَوْلُهُ: وَلَا يَكْفُرُ بِقَوْلِ الْمُسَلِّمِ عَلَيْهِ إلَخْ يُتَأَمَّلْ فِي وَجْهِ عَدَمِ الْكُفْرِ وَقَوْلُهُ رَدِّيت أَصْلُهُ رَدَدْت.
(٥٠) قَوْلُهُ: لَا تُعْجَبْ بِضَمِّ التَّاءِ مِنْ الْإِعْجَابِ مَصْدَرُ أَعْجَبُ وَالْعُجْبُ بِضَمِّ الْعَيْنِ اسْمُ الْمَصْدَرِ مَعْنَاهُ الزَّهْوُ وَالْكِبْرُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ.
(٥١) قَوْلُهُ: وَيُسْتَفْسَرُ فَإِنْ فَسَّرَهُ بِمَا يَكُونُ كُفْرًا كَفَرَ.
أَقُولُ: قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْعَجَبَ الزَّهْوُ وَالْكِبْرُ وَهُوَ كَبِيرَةٌ وَلَيْسَ مُجْمَلًا فِي مَعْنَاهُ حَتَّى يُسْتَفْسَرَ بَلْ مُحْكَمٌ