للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقِيلَ لَا

٦٣ - وَلَوْ قَالَ لَمْ يَعْصُوا حَالَ النُّبُوَّةِ وَقَبْلَهَا كَفَرَ؛ لِأَنَّهُ رَدَّ النُّصُوصَ

ــ

[غمز عيون البصائر]

قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا أَيْ لَا يَكْفُرُ يُنْظَرُ وَجْهُ عَدَمِ الْكُفْرِ

(٦٣) قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ لَمْ يَعْصُوا حَالَ النُّبُوَّةِ إلَخْ أَقُولُ: هَذَا مُشْكِلٌ بِمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ مِنْ أَنَّهُمْ مَعْصُومُونَ عَنْ الصَّغَائِرِ وَالْكَبَائِرِ قَبْلَ النُّبُوَّةِ وَبَعْدَهَا عَمْدًا أَوْ سَهْوًا وَالنُّصُوصُ الدَّالَّةُ عَلَى ذَلِكَ مَذْكُورَةٌ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ وَأُجِيبَ بِحَمْلِ الْقَوْلِ بِكُفْرِهِ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْقَائِلُ مِنْ الْعَوَامّ الَّذِينَ لَا يَعْرِفُونَ إلَّا ظَوَاهِرَ النُّصُوصِ وَأَمَّا إذَا كَانَ مِمَّنْ يَعْلَمُ أَنَّهَا مُؤَوَّلَةٌ وَلَيْسَتْ ظَوَاهِرُهَا بِمُرَادَةٍ فَلَا يَكْفُرُ (انْتَهَى) .

أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ يُعْذَرُ فِي الْجَهْلِ فِي بَابِ الْمُكَفِّرَاتِ وَاَللَّهُ الْهَادِي إلَى سَبِيلِ الْخَيْرَاتِ وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِمَا يُؤَوَّلُ إلَى هَذَا الْجَوَابِ مَعَ قُصُورٍ، فَقَالَ: مُرَادُهُمْ بِقَوْلِهِمْ يَكْفُرُ مَنْ قَالَ: لَمْ يَعْصُوا الْمَعْصِيَةَ الثَّابِتَةَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} [طه: ١٢١] ؛ لِأَنَّهُ تَكْذِيبٌ لِلنَّصِّ وَيَكْفُرُ مَنْ أَرَادَ بِالْمَعْصِيَةِ الْكَبِيرَ (انْتَهَى) .

أَقُولُ: إنَّمَا يَكُونُ تَكْذِيبًا لِلنَّصِّ إذَا قَالَ الْقَائِلُ مِنْ الْعَوَامّ الَّذِينَ لَا يَعْرِفُونَ إلَّا ظَوَاهِرَ النُّصُوصِ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْجَهْلَ عُذْرٌ فِي بَابِ الْمُكَفِّرَاتِ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى وَاَللَّهُ تَعَالَى يَعْلَمُ السِّرَّ وَالنَّجْوَى، فَلَمْ يَتِمَّ الْجَوَابُ وَاَللَّهُ الْهَادِي إلَى الصَّوَابِ.

وَاَلَّذِي قَامَ فِي نَفْسِي وَأَدَّى إلَيْهِ حَدْسِي أَنَّ هَذَا الْفَرْعَ دَخِيلٌ عَلَى أَهْلِ الْمَذْهَبِ إذْ لَا يُظَنُّ أَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ يَذْهَبُ وَقَدْ يُقَالُ إنَّ الْمِيمَ سَقَطَتْ مِنْ ثَنَايَا الْأَقْلَامِ فَأَوْجَبَتْ فَسَادَ الْكَلَامِ وَإِنَّ الْأَصْلَ كَانَ وَلَوْ قَالَ الْأَنْبِيَاءُ لَمْ يُعْصَمُوا حَالَ النُّبُوَّةِ وَقَبْلَهَا كَفَرَ؛ لِأَنَّهُ رَدَّ النُّصُوصَ وَالرَّادُّ بِالنُّصُوصِ حِينَئِذٍ الْأَدِلَّةُ الدَّالَّةُ عَلَى عِصْمَتِهِمْ الْمَذْكُورَةِ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ وَاَللَّهُ الْهَادِي إلَى بُلُوغِ الْمَرَامِ وَقَدْ أَلَّفْنَا فِي تَحْرِيرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ رِسَالَةً سَمَّيْنَاهَا إتْحَافُ الْأَذْكِيَاءِ بِتَحْرِيرِ مَسْأَلَةِ عِصْمَةِ الْأَنْبِيَاءِ فَلْيُرَاجِعْهَا مَنْ أَرَادَ، وَاَللَّهُ الْهَادِي لِلسَّدَادِ

<<  <  ج: ص:  >  >>