اخْتَلَفَ رَبُّ الْمَالِ مَعَ الْمُضَارِبِ فِي التَّقْيِيدِ وَالْإِطْلَاقِ، فَالْقَوْلُ لِلْمُضَارِبِ،
ــ
[غمز عيون البصائر]
أَبُو يُوسُفَ: تَجُوزُ بَيْنَهُمَا كَمَا يَجُوزُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَتُكْرَهُ كَذَا فِي مُخْتَصَرِ الْأَصْلِ لِأَبِي سُلَيْمَانَ الْجُرْجَانِيِّ قُلْت: فَعَلَى هَذَا يَكُونُ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - جَارِيًا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَهُوَ خِلَافُ الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَنَصُّ عِبَارَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ: وَلَوْ تَفَاوَضَ ذِمِّيٌّ وَمُسْلِمٌ فَهِيَ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ الذِّمِّيَّ مَا لَا يَلْزَمُ الْمُسْلِمَ. أَلَا تَرَى أَنَّ الذِّمِّيَّ لَوْ اشْتَرَى خَمْرًا أَوْ خِنْزِيرًا لَمْ يَلْزَمْ الْمُسْلِمَ وَلَوْ بَاعَهُ بَعْدَمَا اشْتَرَاهُ لَمْ يَكُنْ لِلْمُسْلِمِ فِي ثَمَنِهِ شَرِكَةٌ، وَلَوْ اشْتَرَى الذِّمِّيُّ شَيْئًا مِنْ الذِّمِّيِّ بِخَمْرٍ مُسَمَّاةٍ مُؤَجَّلَةٍ جَازَ عَلَيْهِ وَلَا يَجُوزُ عَلَى شَرِيكِهِ الْمُسْلِمِ وَتَكُونُ شَرِكَةَ عَنَانٍ وَكَذَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا امْرَأَةً وَهَذَا عِنْدَ الْجَبْرِيِّينَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: تَجُوزُ بَيْنَهُمَا كَمَا تَجُوزُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَتُكْرَهُ (انْتَهَى) .
وَبِهِ يَتَّضِحُ مَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَعَالَى مِنْ الْخَلَلِ وَاَللَّهُ الْهَادِي لِلسَّدَادِ فِي الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ
(١٦) قَوْلُهُ: اخْتَلَفَ رَبُّ الْمَالِ مَعَ الْمُضَارِبِ فِي الْإِطْلَاقِ وَالتَّقْيِيدِ فَالْقَوْلُ لِلْمُضَارِبِ أَقُولُ: الصَّوَابُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الْإِطْلَاقِ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَدَّعِي الْعُمُومَ بِأَنْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا الْمُضَارَبَةَ فِي جَمِيعِ التِّجَارَةِ أَوْ فِي عُمُومِ الْأَمْكِنَةِ أَوْ مَعَ عُمُومِ الْأَشْخَاصِ؛ لِأَنَّ قَوْلَ مَنْ يَدَّعِي الْعُمُومَ يُوَافِقُ الْمَقْصُودَ بِالْعَقْدِ، إذْ الْمَقْصُودُ وَهُوَ الرِّبْحُ، وَهَذَا الْمَقْصُودُ فِي الْعُمُومِ أَوْفَرُ وَكَذَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي الْإِطْلَاقِ وَالتَّقْيِيدِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَدَّعِي الْإِطْلَاقَ، حَتَّى لَوْ قَالَ رَبُّ الْمَالِ أَذِنْت لَك أَنْ تَتَّجِرَ فِي الْحِنْطَةِ دُونَ مَا سِوَاهَا وَقَالَ الْمُضَارِبُ مَا سَمَّيْت لِي تِجَارَةً بِعَيْنِهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُضَارِبِ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ أَقْرَبُ إلَى الْمَقْصُودِ بِالْعَقْدِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ: الْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْمَالِ فِي الْفَصْلَيْنِ فَإِنْ قَامَتْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ مَنْ يَدَّعِي الْخُصُوصَ فِي دَعْوَى الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ، وَفِي دَعْوَى الْإِطْلَاقِ وَالتَّقْيِيدِ الْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ مَنْ يَدَّعِي التَّقْيِيدَ؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ زِيَادَةَ قَيْدٍ، وَبَيِّنَةُ الْإِطْلَاقِ سَاكِتَةٌ، وَلَوْ اتَّفَقَا عَلَى الْخُصُوصِ لَكِنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي ذَلِكَ الْخَاصِّ بِأَنْ قَالَ رَبُّ الْمَالِ دَفَعْت الْمَالَ إلَيْك مُضَارَبَةً فِي الْبُرِّ وَقَالَ الْمُضَارِبُ فِي الطَّعَامِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْمَالِ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّرْجِيحُ هَهُنَا بِالْمَقْصُودِ مِنْ الْعَقْدِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي ذَلِكَ فَتَرْجِعُ بِالْإِذْنِ وَأَنَّهُ اسْتَفَادَ مِنْ رَبِّ الْمَالِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute