مَعَ الْحَاجَةِ إلَى التَّعْمِيرِ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ (انْتَهَى) .
وَفَائِدَةُ مَا ذَكَرْنَاهُ لَوْ جَاءَتْ الْغَلَّةُ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ وَفَضَلَ شَيْءٌ بَعْدَ صَرْفِ مَعْلُومِهِمْ هَذِهِ السَّنَةَ، لَا يُعْطِيهِمْ الْفَاضِلَ عِوَضًا عَمَّا قَطَعَ. وَقَدْ اُسْتُفْتِيتُ عَمَّا إذَا شَرَطَ الْوَاقِفُ الْفَاضِلَ عَنْ الْمُسْتَحِقِّينَ لِلْعُتَقَاءِ، وَقَدْ قُطِعَ لِلْمُسْتَحِقِّينَ فِي سَنَةٍ شَيْءٌ بِسَبَبِ التَّعْمِيرِ، هَلْ يُعْطِي الْفَاضِلَ فِي الثَّانِيَةِ لَهُمْ أَمْ لِلْعُتَقَاءِ؟ فَأَجَبْتُ لِلْعُتَقَاءِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
وَإِذَا قُلْنَا بِتَضْمِينِ النَّاظِرِ إذَا صَرَفَ لَهُمْ مَعَ الْحَاجَةِ إلَى التَّعْمِيرِ هَلْ يَرْجِعُ عَلَيْهِمْ بِمَا دَفَعَهُ لِكَوْنِهِمْ قَبَضُوا مَا لَا يَسْتَحِقُّونَهُ أَوْ لَا؟ لَمْ أَرَهُ صَرِيحًا، لَكِنْ نَقَلُوا فِي بَابِ النَّفَقَاتِ أَنَّ مُودِعَ الْغَائِبِ إذَا أَنْفَقَ الْوَدِيعَةَ عَلَى أَبَوَيْ الْمُودِعِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَإِذْنِ الْقَاضِي، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ، وَإِذَا ضَمِنَ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ضَمِنَ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمَدْفُوعَ مِلْكُهُ لِاسْتِنَادِ
ــ
[غمز عيون البصائر]
الْعِمَارَةِ فِي السَّنَةِ الْأُولَى وَإِنْ عُمِّرَتْ فِي السَّنَةِ الْأُولَى لَمْ يَفْضُلْ مِنْ غَلَّتِهَا شَيْءٌ اُسْتُحْسِنَ تَأْخِيرُ عِمَارَتِهَا حَتَّى تَمْضِيَ هَذِهِ السَّنَةُ وَيَأْخُذَ صَاحِبُ هَذِهِ السَّنَةِ غَلَّاتِهَا لِتِلْكَ السَّنَةِ، فَإِذَا صَارَتْ إلَى الْآخِرِ عُمِّرَتْ مِنْ غَلَّتِهَا؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَ الْعِمَارَةِ سَنَةً لَيْسَ يُخْرِجُهَا عَنْ حَالِ الْوَقْفِ. وَهَذَا الَّذِي يَصِيرُ إلَيْهِ الْوَقْفُ مَا عَاشَ إنْ فَاتَتْهُ غَلَّةٌ كَانَتْ لَهُ غَلَّةُ ذَلِكَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، ذَكَرَ ذَلِكَ الْخَصَّافُ فِي أَوْقَافِهِ (انْتَهَى) . وَقِيلَ عَلَيْهِ: لَا مَحَلَّ لِهَذَا الِاسْتِثْنَاءِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ قَوْلِهِمْ الَّذِي يَبْدَأُ بِهِ مِنْ غَلَّةٍ بِالْوَقْفِ تَعْمِيرُهُ مَا إذَا كَانَ فِي تَرْكِ الْعِمَارَةِ ضَرَرٌ بَيِّنٌ، وَمَحَلُّ مَسْأَلَةِ الْخَصَّافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي تَرْكِ تَعْمِيرِ الْوَقْفِ هَلَاكُ الْوَقْفِ، يُشْعِرُ بِذَلِكَ قَوْلُ الْخَصَّافِ؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَ الْعِمَارَةِ سَنَةً لَيْسَ مِمَّا يُخْرِجُ الْوَقْفَ عَنْ حَالِهِ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ التَّعْمِيرَ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ إنْ لَمْ يَكُنْ الْخَرَابُ بِصُنْعِ أَحَدٍ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: رَجُلٌ آجَرَ دَارًا مَوْقُوفَةً فَجَعَلَ الْمُسْتَأْجِرُ رِوَاقَهَا مَرْبِطًا فِيهِ الدَّوَابُّ وَخَرَّبَهَا يَضْمَنُهُ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَهُ بِغَيْرِ الْإِذْنِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute