دَفَعَ بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ إذْنِ الْقَاضِي فَكَانَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ، وَإِنْ مَلَكَ الْمَدْفُوعَ بِالضَّمَانِ، فَلَيْسَ بِمُتَبَرِّعٍ.
وَفِي النَّوَازِلِ: سُئِلَ أَبُو بَكْرٍ عَنْ رَجُلٍ وَقَفَ دَارًا عَلَى مَسْجِدٍ عَلَى أَنَّ مَا فَضَلَ مِنْ عِمَارَتِهِ فَهُوَ لِلْفُقَرَاءِ، فَاجْتَمَعَتْ الْغَلَّةُ، وَالْمَسْجِدُ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْعِمَارَةِ. هَلْ تُصْرَفُ إلَى الْفُقَرَاءِ؟ قَالَ لَا تُصْرَفُ إلَى الْفُقَرَاءِ، وَإِنْ اجْتَمَعَتْ غَلَّةٌ كَثِيرَةٌ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَحْدُثَ لِلْمَسْجِدِ حَدَثٌ وَالدَّارُ بِحَالٍ لَا تُغِلُّ. قَالَ الْفَقِيهُ سُئِلَ أَبُو جَعْفَرٍ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَأَجَابَ هَكَذَا. وَلَكِنَّ الِاخْتِيَارَ عِنْدِي أَنَّهُ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ قَدْ اجْتَمَعَ مِنْ الْغَلَّةِ مِقْدَارُ مَا لَوْ احْتَاجَ الْمَسْجِدُ وَالدَّارُ إلَى الْعِمَارَةِ أَمْكَنَ الْعِمَارَةَ مِنْهَا صَرَفُ الزِّيَادَةَ عَلَى الْفُقَرَاءِ، عَلَى مَا شَرَطَ الْوَاقِفُ (انْتَهَى بِلَفْظِهِ) .
٩٥ - فَقَدْ اسْتَفَدْنَا مِنْهُ أَنَّ الْوَاقِفَ إذَا شَرَطَ تَقْدِيمَ الْعِمَارَةِ ثُمَّ الْفَاضِلَ عَنْهَا لِلْمُسْتَحِقِّينَ، كَمَا هُوَ الْوَاقِعُ فِي أَوْقَافِ الْقَاهِرَةِ، ٩٦ - فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى النَّاظِرِ إمْسَاكُ قَدْرِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِلْعِمَارَةِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَإِنْ كَانَ الْآنَ لَا يَحْتَاجُ الْمَوْقُوفُ إلَى الْعِمَارَةِ عَلَى الْقَوْلِ الْمُخْتَارِ لِلْفَقِيهِ. وَعَلَى هَذَا فَيُفَرَّقُ بَيْنَ اشْتِرَاطِ تَقْدِيمِ
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: فَقَدْ اسْتَفَدْنَا مِنْهُ أَنَّ الْوَاقِفَ إلَخْ. قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: مَا اخْتَارَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ الْقَوْلُ الْمُعْتَمَدُ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى فِي الْمَذْهَبِ كَمَا فِي جَامِعِ الْمُضْمَرَاتِ (٩٦) قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى النَّاظِرِ إمْسَاكُ قَدْرِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِلْعِمَارَةِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَقَدْ يُقَالُ قَدْرُ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ غَيْرُ مَعْلُومٍ إذْ هُوَ غَيْرُ مُنْضَبِطٍ فَلَا يَدْرِي الْقَدْرَ الَّذِي يُرْصَدُ لِلْعِمَارَةِ. وَهَذَا أَمْرٌ جَلِيٌّ لَا سُتْرَةَ فِيهِ. وَغَايَةُ مَا يُقَالُ: إنَّ الْأَمْرَ مُفَوَّضٌ لِلنَّاظِرِ فَيَرْصُدُ الْقَدْرَ الَّذِي يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ الْحَاجَةُ إلَيْهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute