فَالْأَوَّلُ لَا يَحْتَاجُ فِي وُقُوعِهِ إلَيْهَا؛ فَلَوْ طَلَّقَ ١٠٩ - غَافِلًا أَوْ سَاهِيًا
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: فَالْأَوَّلُ لَا يَحْتَاجُ فِي وُقُوعِهِ عَلَيْهَا إلَيْهَا.
قَالَ الْمُؤَلِّفُ فِي الْبَحْرِ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَوْلَهُمْ الصَّرِيحُ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ إنَّمَا هُوَ فِي الْقَضَاءِ.
أَمَّا فِي الدِّيَانَةِ فَيَحْتَاجُ لَكِنَّ وُقُوعَهُ فِي الْقَضَاءِ بِلَا نِيَّةٍ إنَّمَا هُوَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَقْصِدَهَا بِالْخِطَابِ، بِدَلِيلِ مَا قَالُوا: لَوْ كَرَّرَ مَسَائِلَ الطَّلَاقِ بِحَضْرَةِ زَوْجَتِهِ وَيَقُول أَنْتِ طَالِقٌ وَلَمْ يَنْوِ، لَا تَطْلُقُ.
وَفِي مُتَعَلِّمٍ يَكْتُبُ نَاقِلًا كِتَابَ رَجُلٍ. قَالَ: ثُمَّ يَقِفُ وَيَكْتُبُ امْرَأَتِي طَالِقٌ.
وَكَمَا كَتَبَ قَرَنَ الْكِتَابَةَ بِالتَّلَفُّظِ بِقَصْدِ الْحِكَايَةِ، لَا يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ.
وَفِي الْقُنْيَةِ امْرَأَةٌ كَتَبَتْ: أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَتْ لِزَوْجِهَا اقْرَأْ عَلَيَّ هَذَا، فَقَرَأَ لَا تَطْلُقُ.
وَمَا فِي الْفَتْحِ الْقَدِيرِ: وَلَا بُدَّ مِنْ الْقَصْدِ بِالْخِطَابِ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ عَالَمًا بِمَعْنَاهُ أَوْ النِّيَّةِ كَمَا يُفِيدُهُ فُرُوعٌ.
وَذَكَرَ مَا ذَكَرْنَا فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ.
لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِالْوُقُوعِ قَضَاءً فِيمَنْ سَبَقَ لِسَانُهُ، وَإِنْ كَانَ شَرْطًا لِلْوُقُوعِ دِيَانَةً لَا قَضَاءً فَكَذَلِكَ، لِأَنَّهُ يَقْتَضِي الْوُقُوعَ قَضَاءً فِيمَا لَوْ كَرَّرَ مَسَائِلَ الطَّلَاقِ بِحَضْرَتِهَا.
وَفِي الْمُتَعَلِّمِ: فَالْحَقُّ مَا اقْتَصَرْنَا عَلَيْهِ (انْتَهَى كَلَامُهُ) .
قِيلَ وَهَذَا وَهْمٌ ظَاهِرٌ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهُ شَرْطُ الْوُقُوعِ قَضَاءً وَدِيَانَةً فَخَرَجَ مَا لَا يَقَعُ فِيهِ لَا قَضَاءً وَلَا دِيَانَةً.
كَمَنْ كَرَّرَ مَسَائِلَ الطَّلَاقِ وَمَا يَقَعُ فِيهِ قَضَاءً فَقَطْ كَمَنْ سَبَقَ لِسَانُهُ بِالطَّلَاقِ.
وَبِهِ عُرِفَ أَنَّهُ لَا يَرِدُ عَلَى مَنْ سَبَقَ لِسَانُهُ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ فِيهِ دِيَانَةً كَمَا أَفْصَحَ بِهِ ابْنُ الْهُمَامِ فِي آخِرِ كَلَامِهِ، حَيْثُ قَالَ: وَهُوَ يُشِيرُ إلَيْهِ، أَيْ إلَى الْوُقُوعِ قَضَاءً فَقَطْ.
أَقُول: فِي الْخُلَاصَةِ بَعْدَ ذِكْرِ مَا لَوْ سَبَقَ لِسَانُهُ بِالطَّلَاقِ وَلَوْ كَانَ بِالْعَتَاقِ يَدِينُ (انْتَهَى) .
يَعْنِي لَا فَرْقَ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَبِهَذَا يَبْطُلُ قَوْلُهُ فِي الْبَحْرِ: أَنَّ الْوَاقِعَ فِي الْقَضَاءِ بِشَرْطِ أَنْ يَقْصِدَ خِطَابَهَا الظُّهُورُ أَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ اسْقِنِي فَسَبَقَ لِسَانُهُ بِالْخِطَابِ لَمْ يَقْصِدْهُ خِطَابَهَا.
(١٠٩) قَوْلُهُ: غَافِلًا أَوْ سَاهِيًا.
الْغَفْلَةُ سَهْوٌ يَعْتَرِي الْإِنْسَانَ مِنْ قِلَّةِ التَّحَفُّظِ وَالتَّيَقُّظِ كَمَا فِي عُمْدَةِ الْحُفَّاظِ فِي تَفْسِيرِ أَشْرَفِ الْأَلْفَاظِ، لِلْعَلَّامَةِ الشِّهَابِ السَّمِينِ؛ وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّ السَّهْوَ مُرَادِفٌ لِلْغَفْلَةِ وَحِينَئِذٍ يُشْكِلُ عَطْفُهُ بِأَوْ.
وَفِي الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ أَنَّ النِّسْيَانَ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ التَّرْكِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: النِّسْيَانُ تَرْكُ الْإِنْسَانِ ضَبْطَ مَا اسْتَوْدَعَ عَلَى حِفْظِهِ إمَّا لِضَعْفِ قَلْبِهِ وَإِمَّا عَنْ غَفْلَةٍ وَإِمَّا عَنْ قَصْدٍ، حَتَّى يَنْحَذِفَ عَنْ قَلْبِهِ ذِكْرُهُ (انْتَهَى) .
وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّ النِّسْيَانَ غَيْرُ السَّهْوِ وَالْغَفْلَةِ.