وَبِخِلَافِ الْوَكَالَةِ عَنْ غَائِبٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الْقَضَاءُ بِهَا إذَا كَانَ الْقَاضِي مَدْيُونُ الْغَائِبِ، سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الدَّفْعِ أَوْ بَعْدَهُ. وَتَمَامُهُ فِي قَضَاءِ الْجَامِعِ. أَمِينُ الْقَاضِي كَالْقَاضِي لَا عُهْدَةَ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الْوَصِيِّ فَإِنَّهُ تَلْحَقُهُ الْعُهْدَةُ وَلَوْ كَانَ وَصِيَّ الْقَاضِي، فَبَيْن وَصِيِّ الْقَاضِي وَأَمِينِهِ فَرْقٌ مِنْ هَذِهِ، وَمَنْ جِهَةٍ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ الْقَاضِيَ مَحْجُورٌ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الْيَتِيمِ مَعَ وُجُودِ وَصِيٍّ لَهُ وَلَوْ مَنْصُوبُ الْقَاضِي، بِخِلَافِهِ مَعَ أَمِينِهِ وَهُوَ مَنْ يَقُولُ لَهُ الْقَاضِي: جَعَلْتُك أَمِينًا فِي بَيْعِ هَذَا الْعَبْدِ. وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا قَالَ: بِعْ هَذَا الْعَبْدَ وَلَمْ يَزِدْ. وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ أَمِينُهُ فَلَا تَلْحَقُهُ عُهْدَةٌ.
ــ
[غمز عيون البصائر]
الْمَدْفُوعَ إلَيْهِ وَصِيًّا، وَلَا يَبْرَأُ الْقَاضِي وَلَا قَرِيبُهُ مِنْ الدَّيْنِ.
وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ سَقَطَ مَا قِيلَ: لَعَلَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ رَجُلًا مَاتَ، وَلَهُ دَيْنٌ عَلَى الْقَاضِي وَدَيْنٌ عَلَى رَجُلٍ غَائِبٍ عَنْ الْبَلَدِ فَأَرَادَ وَرَثَتُهُ إثْبَاتَ وَكَالَةِ شَخْصٍ عَنْ الْغَائِبِ الْمَذْكُورِ لِيَدَّعُوا عَلَيْهِمْ بِمَالِ مُوَرِّثِهِمْ عَلَى الْمُوَكِّلِ عِنْدَ الْقَاضِي الْمَذْكُورِ، فَإِنَّ الْقَاضِي الْمَذْكُورَ لَيْسَ لَهُ إثْبَاتُ هَذِهِ الْوَكَالَةِ سَوَاءٌ دَفَعَ مَا عَلَيْهِ إلَى الْوَرَثَةِ أَمْ لَا لِقِيَامِ التُّهْمَةِ
(١٥٨) قَوْلُهُ: وَبِخِلَافِ الْوَكَالَةِ عَنْ غَائِبٍ إلَخْ. يَعْنِي لَوْ غَابَ رَبُّ الدَّيْنِ فَجَاءَ رَجُلٌ، وَادَّعَى أَنَّهُ وَكَّلَهُ فِي قَبْضِ دُيُونِهِ، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ الْقَاضِي الْمَدْيُونِ فَقَضَى بِوَكَالَتِهِ. ثُمَّ قَضَاهُ الدَّيْنَ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ، وَلَا يَبْرَأُ مِنْ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ شَهِدَ بِالْوَكَالَةِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ فَكَذَا قَضَاؤُهُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَصِيِّ أَنَّ الْقَاضِيَ يَمْلِكُ نَصْبَهُ بِدُونِ الْبَيِّنَةِ. لِانْقِطَاعِ الرَّجَاءِ عَنْ النَّظَرِ لِنَفْسِهِ فَلَمْ يَكُنْ مُتَّهَمًا فِي هَذَا الْقَضَاءِ. وَلَا يَمْلِكُ نَصْبَ الْوَكِيلِ عَنْ الْغَائِبِ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ إلَيْهِ لِوُجُودِ رَجَاءِ حُضُورِهِ فَلَوْ قَضَى بِوَكَالَتِهِ وَقَضَى بِالدَّيْنِ ثُمَّ رَفَعَ ذَلِكَ إلَى قَاضٍ آخَرَ يَرَاهُ جَائِزًا، وَنَفَذَهُ جَازَ تَنَفُّذُهُ حَتَّى لَوْ رَفَعَهُ إلَى قَاضٍ آخَرَ يَرَى الْقَضَاءَ لِلْأَوَّلِ بَاطِلًا، فَإِنَّهُ يُجِيزُ تَنْفِيذَ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ قَضَى فِي مَحَلٍّ يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ إذْ التَّوْكِيلُ بِمَنْزِلَةِ الْإِيصَاءِ بِجَامِعِ الْإِقَامَةِ غَيْرَ أَنَّ الْوَكَالَةَ إقَامَةٌ قَبْلَ الْمَوْتِ وَالْوَصِيَّةُ بَعْدَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute