وَفَصْلٌ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فِيهِ فِي آخِرِ بَابِ الِاسْتِحْقَاقِ فَلْيُنْظَرْ ثَمَّةَ.
ــ
[غمز عيون البصائر]
اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَ عَبْدًا ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ حُرٌّ، أَوْ ادَّعَى أَنَّهُ أَعْتَقَهُ ثُمَّ بَاعَهُ فَإِنَّهُ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ (انْتَهَى) .
ثُمَّ قَالَ أَيْضًا قُبَيْلَ بَابِ الرِّبَا: بَاعَ عَقَارًا ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ بَاعَ مَا هُوَ وَقْفٌ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا تُسْمَعُ بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَ عَبْدًا ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ حُرٌّ تُسْمَعُ دَعْوَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ، وَلَا يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ أَمَّا الْحُرُّ فَلَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلْبَيْعِ؛ وَلِهَذَا يُمْلَكُ انْتَهَى.
مَا قَالَهُ فِي الْبُيُوعِ. ثُمَّ قَالَ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ: بَاعَ أَرْضًا ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ وَقَفَهَا قَبْلَ الْبَيْعِ فَأَرَادَ تَحْلِيفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ عِنْدَ الْكُلِّ؛ لِأَنَّ التَّحْلِيفَ يَعْتَمِدُ صِحَّةَ الدَّعْوَى، وَدَعْوَاهُ لَمْ تَصِحَّ لِمَكَانِ التَّنَاقُضِ، وَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا ادَّعَاهُ اخْتَلَفُوا فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَنَاقِضٌ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ؛ لِأَنَّ التَّنَاقُضَ يَمْنَعُ الدَّعْوَى؛ وَعَلَى قَوْلِ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ الدَّعْوَى لَا تُشْتَرَطُ لِقَبُولِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْوَقْفِ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ التَّصَدُّقُ بِالْغَلَّةِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الدَّعْوَى كَالشَّهَادَةِ عَلَى طَلَاقٍ وَعِتْقِ الْأَمَةِ إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ هُنَاكَ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ مَخْصُوصٌ وَلَمْ يَدَّعِ لَا يُعْطَى مِنْ الْغَلَّةِ شَيْءٌ وَيُصْرَفُ جَمِيعُ الْغَلَّةِ إلَى الْفُقَرَاءِ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ قُبِلَتْ لَحَقِّ الْفُقَرَاءِ فَلَا يَظْهَرُ إلَّا فِي حَقِّ الْفُقَرَاءِ.
قَالَ مَوْلَانَا: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ عَلَى التَّفْصِيلِ: إنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى قَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ لَا تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ بِدُونِ الدَّعْوَى عِنْدَ الْكُلِّ، وَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى الْفُقَرَاءِ أَوْ عَلَى الْمَجْدَلِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَأَبِي يُوسُفَ تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ بِدُونِ الدَّعْوَى، وَعَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا تُقْبَلُ (انْتَهَى) .
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ: لَوْ بَاعَ ضَيْعَةً ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهَا وَقْفٌ عَلَيْهِ وَعَلَى أَوْلَادِهِ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ لِلتَّنَاقُضِ. وَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ، قِيلَ: تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الْوَقْفِ تُقْبَلُ بِدُونِ الدَّعْوَى؛ لِأَنَّهَا مِنْ بَابِ الْحِسْبَةِ وَقِيلَ: لَا تُقْبَلُ وَهُوَ أَصْوَبُ وَأَحْوَطُ (انْتَهَى) .
فَعُلِمَ بِمَا أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إنَّمَا يَصِحُّ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي الَّذِي لَمْ يُصَحِّحُهُ قَاضِي خَانْ وَالزَّيْلَعِيُّ وَأَمَّا عَلَى مَا صَحَّحَاهُ فَلَا اسْتِثْنَاءَ.
(٢٠٤) قَوْلُهُ: وَفَصْلٌ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إلَخْ. أَقُولُ: نَصُّ عِبَارَتِهِ بَاعَ عَقَارًا ثُمَّ بَرْهَنَ أَنَّ مَا بَاعَهُ وَقْفٌ لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الْوَقْفِ لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ يَعْنِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ وَلَوْ بَرْهَنَ أَنَّهُ وَقْفٌ مَحْكُومٌ بِلُزُومِهِ قُبِلَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute