يَنْعَقِدُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ) الِانْعِقَادُ عِبَارَةٌ عَنْ انْضِمَامِ كَلَامِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ إلَى الْآخَرِ وَالْبَيْعُ عِبَارَةٌ عَنْ أَثَرٍ شَرْعِيٍّ يَظْهَرُ فِي الْمَحَلِّ عِنْدَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ حَتَّى يَكُونَ الْعَاقِدُ قَادِرًا عَلَى التَّصَرُّفِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ يَنْعَقِدُ وَلَمْ يَقُلْ الْبَيْعُ هَذَانِ اللَّفْظَانِ وَالْإِيجَابُ هُوَ الْإِثْبَاتُ لِأَنَّهُ مَا كَانَ ثَابِتًا لِلْمُشْتَرِي وَقَدْ ثَبَتَتْ الْآنَ بِقَوْلِهِ بِعْت وَالْقَبُولُ هُوَ اللَّفْظُ الثَّانِي الَّذِي هُوَ جَوَابٌ لِلْأَوَّلِ فَالْإِيجَابُ مِثْلَ قَوْلِهِ بِعْت أَوْ أَعْطَيْت أَوْ هَذَا لَك وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَالْقَبُولُ مِثْلَ اشْتَرَيْت أَوْ قَبِلْت أَوْ أَخَذْت أَوْ أَجَزْت أَوْ رَضِيت أَوْ قَبَضْت وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْبَادِي الْبَائِعَ أَوْ الْمُشْتَرِيَ كَمَا إذَا قَالَ الْمُشْتَرِي أَوَّلًا اشْتَرَيْت مِنْك هَذَا الْعَبْدَ بِمِائَةٍ فَقَالَ الْبَائِعُ بِعْت أَوْ هُوَ لَك فَإِنَّهُ يَتِمُّ الْبَيْعُ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ وَإِذَا أَوْجَبَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ الْبَيْعَ فَالْآخَرُ بِالْخِيَارِ وَلَمْ يُعَيِّنْ أَنَّهُ الْبَائِعُ أَوْ الْمُشْتَرِي (قَوْلُهُ إذَا كَانَا بِلَفْظِ الْمَاضِي) أَمَّا إذَا كَانَا بِلَفْظِ الْأَمْرِ فَلَا بُدَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَلْفَاظٍ كَمَا إذَا قَالَ الْبَائِعُ اشْتَرِ مِنِّي فَقَالَ اشْتَرَيْت فَلَا يَنْعَقِدُ مَا لَمْ يَقُلْ الْبَائِعُ بِعْت أَوْ يَقُولُ الْمُشْتَرِي بِعْ مِنِّي فَيَقُولُ بِعْت فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَقُولَ ثَانِيًا اشْتَرَيْت وَأَمَّا النِّكَاحُ فَيَنْعَقِدُ بِلَفْظَيْنِ أَحَدُهُمَا مَاضٍ وَالْآخَرُ مُسْتَقْبَلٌ.
(قَوْلُهُ وَإِذَا أَوْجَبَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ الْبَيْعَ فَالْآخَرُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَبِلَهُ فِي الْمَجْلِسِ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ) وَهَذَا يُسَمَّى خِيَارُ الْقَبُولِ وَهُوَ غَيْرُ مَوْرُوثٍ فَإِنْ أَوْجَبَ أَحَدُهُمَا الْبَيْعَ وَهُمَا يَمْشِيَانِ أَوْ يَسِيرَانِ عَلَى دَابَّةٍ فِي مَحْمَلٍ أَوْ عَلَى دَابَّتَيْنِ إنْ أَخْرَجَ الْمُخَاطَبُ جَوَابَهُ مُتَّصِلًا بِخِطَابِ صَاحِبِهِ تَمَّ الْعَقْدُ وَإِنْ فَصَلَهُ عَنْهُ لَا يَنْعَقِدُ وَإِنْ قَلَّ وَالسَّيْرُ مِنْ أَحَدِهِمَا كَالسَّيْرِ مِنْهُمَا وَإِنْ أَوْجَبَ أَحَدُهُمَا وَهُمَا وَاقِفَانِ فَسَارَا أَوْ سَارَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ خِطَابِ صَاحِبِهِ قَبْلَ الْقَبُولِ بَطَلَ وَلَا يَنْعَقِدُ بِقَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَوْ تَبَايَعَا فِي السَّفِينَةِ وَهِيَ تَسِيرُ فَوُجِدَتْ سَكْتَةٌ بَيْنَ الْخِطَابَيْنِ لَا يَمْنَعُ ذَلِكَ الِانْعِقَادَ وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْتِ لِأَنَّهُمَا لَا يَمْلِكَانِ إيقَافَهَا بِخِلَافِ الدَّابَّةِ فَإِنَّهُمَا يَمْلِكَانِ إيقَافَهَا وَلَوْ قَالَ بِعْت مِنْك هَذَا الْعَبْدَ بِكَذَا فَقَالَ هُوَ حُرٌّ فَهُوَ قَبُولٌ وَيَعْتِقُ الْعَبْدُ وَأَمَّا إذَا قَالَ وَهُوَ حُرٌّ بِالْوَاوِ أَوْ هُوَ حُرٌّ بِغَيْرِ الْوَاوِ لَمْ يَكُنْ قَبُولًا وَلَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ وَاعْلَمْ أَنَّ الْبَيْعَ عَقْدٌ عَلَى الْإِبْهَامِ وَالتَّوْقِيتُ يُبْطِلُهُ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ فَإِنَّهَا عَقْدٌ عَلَى التَّوْقِيتِ وَالْإِبْهَامُ يُبْطِلُهَا ثُمَّ لَا بُدَّ فِي الْبَيْعِ مِنْ ذِكْرِ الثَّمَنِ وَتَعْيِينِ الْمَبِيعِ وَإِلَّا فَلَا يَكُونُ بَيْعًا وَإِنْ حَصَلَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ.
(قَوْلُهُ وَأَيُّهُمَا قَامَ مِنْ الْمَجْلِسِ قَبْلَ الْقَبُولِ بَطَلَ الْإِيجَابُ) لِأَنَّ الْقِيَامَ دَلِيلُ الْإِعْرَاضِ وَكَذَا لَوْ لَمْ يَقُمْ وَلَكِنْ تَشَاغَلَ فِي الْمَجْلِسِ بِشَيْءٍ غَيْرِ الْبَيْعِ بَطَلَ الْإِيجَابُ فَإِنْ كَانَ قَائِمًا فَقَعَدَ ثُمَّ قَبِلَ فَإِنَّهُ يَصِحُّ الْقَبُولُ لِأَنَّهُ بِالْقُعُودِ لَمْ يَكُنْ مُعْرِضًا (قَوْلُهُ فَإِذَا حَصَلَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ لَزِمَ الْبَيْعُ) وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ الثَّمَنِ وَتَعْيِينِ الْمُثَمَّنِ قَالَ فِي الْعُيُونِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا قَالَ بِعْتُك هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفٍ فَلَمَّا أَرَادَ الْمُشْتَرِي أَنْ يَقُولَ قَبِلْت قَالَ الْبَائِعُ رَجَعْت وَخَرَجَ الْكَلَامَانِ مَعًا فَالْفَسْخُ أَوْلَى لِأَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ الْبَيْعُ وَإِذَا قَالَ بِعْتُك هَذَيْنِ الثَّوْبَيْنِ بِكَذَا فَقَبِلَ فِي أَحَدِهِمَا لَا يَجُوزُ كَمَا لَا يَجُوزُ إذَا قَالَ بِعْتُك هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفٍ فَقَالَ قَبِلْت بِخَمْسِمِائَةٍ وَكَذَا لَوْ قَالَ بِعْتُك هَذَا الْعَبْدَ فَقَالَ قَبِلْت فِي بَعْضِهِ لَا يَجُوزُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ عَلَى الْبَائِعِ وَلَوْ فَرَّقَ الْإِيجَابَ فَقَالَ أَبِيعُك هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ بِعْتُك هَذَا بِمِائَةٍ وَهَذَا بِمِائَتَيْنِ فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَقْبَلَ فِي أَيِّهِمَا شَاءَ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الْقَبُولِ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَإِنَّ هُنَاكَ الْإِيجَابَ فِيهِمَا بِلَفْظٍ وَاحِدٍ (قَوْلُهُ وَلَا خِيَارَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَّا مِنْ عَيْبٍ أَوْ عَدَمِ رُؤْيَةٍ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْخِيَارُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute