للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَدْرٍ مِنْ ذَلِكَ عِشْرُونَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا مَا فِي الْمَتْنِ وَالثَّانِي مَا بَيْنَ مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ إلَى ثَلَثِمِائَةٍ وَكَأَنَّهُ بَنَى جَوَابَهُ عَلَى مَا شَاهَدَ فِي آبَارِ بَلَدِهِ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ بَيْنَ مَا فِي الْمَتْنِ وَالْوَجْهِ الثَّانِي أَنَّهُ يُكْتَفَى بِنَزْحِ مِائَتَيْنِ وَعِشْرِينَ عَلَى مَا فِي الْمَتْنِ وَلَا يُكْتَفَى بِهِ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي.

(قَوْلُهُ: وَإِذَا وُجِدَ فِي الْبِئْرِ فَأْرَةٌ مَيْتَةٌ أَوْ غَيْرُهَا إلَى آخِرِهِ) مَيْتَةٌ بِالتَّخْفِيفِ؛ لِأَنَّ بِالتَّشْدِيدِ يُطْلَقُ عَلَى الْحَيِّ قَالَ اللَّهُ {إِنَّكَ مَيِّتٌ} [الزمر: ٣٠] أَيْ سَتَمُوتُ وَمَا قَدْ مَاتَ يُقَالُ لَهُ مَيْتٌ بِالتَّخْفِيفِ قَالَ الشَّاعِرُ:

وَمَنْ يَكُ ذَا رُوحٍ فَذَلِكَ مَيِّتٌ ... وَمَا الْمَيْتُ إلَّا مَنْ إلَى الْقَبْرِ يُحْمَلُ

(قَوْلُهُ: إذَا كَانُوا تَوَضَّئُوا مِنْهَا) أَيْ وَهُمْ مُحْدِثُونَ

(قَوْلُهُ: وَغَسَلُوا كُلَّ شَيْءٍ أَصَابَهُ مَاؤُهَا) أَيْ غَسَلُوا ثِيَابَهُمْ مِنْ نَجَاسَةٍ، أَمَّا إذَا تَوَضَّئُوا مِنْهَا وَهُمْ مُتَوَضِّئُونَ أَوْ غَسَلُوا ثِيَابَهُمْ مِنْ غَيْرِ نَجَاسَةٍ فَإِنَّهُمْ لَا يُعِيدُونَ إجْمَاعًا كَذَا أَفَادَ شَيْخُنَا مُوَفَّقُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْمَارَّ صَارَ مَشْكُوكًا فِي طَهَارَتِهِ وَنَجَاسَتِهِ فَإِذَا كَانُوا مُحْدِثِينَ بِيَقِينٍ لَمْ يَزُلْ حَدَثُهُمْ بِمَاءٍ مَشْكُوكٍ فِيهِ وَإِذَا كَانُوا مُتَوَضِّئِينَ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُمْ بِمَاءٍ مَشْكُوكٍ فِي نَجَاسَتِهِ؛ لِأَنَّ الْيَقِينَ لَا يَرْتَفِعُ بِالشَّكِّ، وَإِنْ وَجَدَ فِي ثَوْبِهِ نَجَاسَةً مُغَلَّظَةً أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْإِصَابَةِ لَمْ يُعِدْ شَيْئًا بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ الثَّوْبَ بِمَرْأَى بَصَرِهِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ فَإِذَا لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهَا عَلِمَ أَنَّهَا أَصَابَتْهُ لِلْحَالِ بِخِلَافِ الْبِئْرِ؛ لِأَنَّهَا غَائِبَةٌ عَنْ بَصَرِهِ، وَلَوْ وَجَدَ فِي ثَوْبِهِ مَنِيًّا أَعَادَ الصَّلَاةَ مِنْ آخِرِ نَوْمَةٍ نَامَهَا فِيهِ

(قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَيْسَ عَلَيْهِمْ إعَادَةُ شَيْءٍ حَتَّى يَتَحَقَّقُوا مَتَى وَقَعَتْ) وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ أَوَّلًا يَقُولُ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى رَأَى طَائِرًا فِي مِنْقَارِهِ فَأْرَةٌ مَيْتَةٌ أَلْقَاهَا فِي بِئْرٍ فَرَجَعَ إلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُمْ عَلَى يَقِينٍ مِنْ طَهَارَةِ الْبِئْرِ فِيمَا مَضَى وَفِي شَكٍّ مِنْ نَجَاسَتِهَا الْآنَ فَلَا يَزُولُ الْيَقِينُ بِالشَّكِّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ قَدْ زَالَ هَذَا الشَّكُّ بِيَقِينِ النَّجَاسَةِ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ وَلِأَنَّ لِلْمَوْتِ سَبَبًا ظَاهِرًا وَهُوَ الْوُقُوعُ فِي الْمَاءِ فَيُحَالُ بِالْمَوْتِ عَلَيْهِ وَعَدَمُ الِانْتِفَاخِ فِي الْمَاءِ دَلِيلُ قُرْبِ الْعَهْدِ فَقُدِّرَ بِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَالِانْتِفَاخُ دَلِيلُ التَّقَادُمِ فَقُدِّرَ بِالثَّلَاثِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ دُفِنَ قَبْلَ أَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُصَلَّى عَلَى قَبْرِهِ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَتَفَسَّخُ.

(قَوْلُهُ: وَسُؤْرُ الْآدَمِيِّ وَمَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ طَاهِرٌ) السُّؤْرُ عَلَى خَمْسَةِ أَنْوَاعٍ سُؤْرٌ طَاهِرٌ بِالِاتِّفَاقِ وَسُؤْرٌ نَجِسٌ بِالِاتِّفَاقِ وَسُؤْرٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَسُؤْرٌ مَكْرُوهٌ وَسُؤْرٌ مَشْكُوكٌ فِيهِ أَمَّا الطَّاهِرُ فَسُؤْرُ الْآدَمِيِّ وَمَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَيَدْخُلُ فِيهِ الْجُنُبُ وَالْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ وَالْكَافِرُ إلَّا سُؤْرَ شَارِبِ الْخَمْرِ وَمَنْ دَمِيَ فَاهُ إذَا شَرِبَ عَلَى فَوْرِهِمَا فَإِنَّهُ نَجِسٌ فَإِنْ ابْتَلَعَ رِيقَهُ مِرَارًا طَهُرَ فَمُهُ عَلَى الصَّحِيحِ.

وَكَذَا سُؤْرُ مَأْكُولِ اللَّحْمِ طَاهِرٌ كَلَبَنِهِ إلَّا الْإِبِلَ الْجَلَّالَةَ وَهِيَ تَأْكُلُ الْعَذِرَةَ فَإِنَّ سُؤْرَهَا مَكْرُوهٌ فَإِنْ كَانَتْ تُخْلَطُ وَأَكْثَرُ عَلَفِهَا عَلَفُ الدَّوَابِّ لَا يُكْرَهُ، وَأَمَّا النَّجِسُ فَسُؤْرُ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ إلَّا أَنَّ سُؤْرَ الْكَلْبِ خِلَافُ مَالِكٍ فَإِنَّهُ عِنْدَهُ طَاهِرٌ وَيُغْسَلُ الْإِنَاءُ مِنْهُ سَبْعًا عِنْدَهُ عَلَى طَرِيقِ الْعِبَادَةِ لَا عَلَى سَبِيلِ النَّجَاسَةِ

(قَوْلُهُ: وَسُؤْرُ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَسِبَاعِ الْبَهَائِمِ نَجِسٌ) قَدَّمَ الْكَلْبَ وَالْخِنْزِيرَ لِمُوَافَقَةِ الشَّافِعِيِّ لَنَا فِيهِمَا وَأَخَّرَ السِّبَاعَ لِمُخَالَفَتِهِ لَنَا فِيهَا وَسِبَاعُ الْبَهَائِمِ مَا يَصْطَادُ بِنَابِهِ كَالْأَسَدِ وَالذِّئْبِ وَالْفَهْدِ وَالنَّمِرِ وَالثَّعْلَبِ وَالْفِيلِ وَالضَّبُعِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ، وَالسُّؤْرُ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ هُوَ سُؤْرُ السِّبَاعِ فَعِنْدَنَا هُوَ نَجِسٌ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ طَاهِرٌ لَنَا أَنَّهَا مُحَرَّمَةُ الْأَلْبَانِ وَاللَّحْمِ، وَيُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْ سُؤْرِهَا فَكَانَ سُؤْرُهَا نَجِسًا كَسُؤْرِ الْكِلَابِ وَالْخَنَازِيرِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حِينَ «سُئِلَ عَنْ الْمَاءِ يَكُونُ فِي الْفَلَوَاتِ وَمَا يَنُوبُهُ مِنْ السِّبَاعِ وَالْكِلَابِ فَقَالَ لَهَا مَا أَخَذَتْ فِي بُطُونِهَا وَمَا بَقِيَ فَهُوَ لَنَا شَرَابٌ وَطَهُورٌ» فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَاءِ الْكَثِيرِ أَلَا تَرَاهُ ذَكَرَ الْكِلَابَ وَسُؤْرُهَا نَجِسٌ بِالِاتِّفَاقِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ نَجَاسَةَ سُؤْرِ السِّبَاعِ وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهَا نَجَاسَةٌ غَلِيظَةٌ أَوْ خَفِيفَةٌ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>