غَلِيظَةٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ خَفِيفَةٌ كَبَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَأَمَّا السُّؤْرُ الْمَكْرُوهُ فَهُوَ سُؤْرُ الْهِرَّةِ وَالدَّجَاجَةِ الْمُخَلَّاةِ وَسَوَاكِنِ الْبُيُوتِ كَالْفَأْرَةِ وَالْحَيَّةِ وَسِبَاعِ الطَّيْرِ وَهِيَ الَّتِي لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهَا كَالصَّقْرِ وَالْبَازِ وَالْعُقَابِ وَالْغُرَابِ الْأَسْوَدِ وَالْحَدَأَةِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ
(قَوْلُهُ: وَسُؤْرُ الْهِرَّةِ) أَمَّا كَرَاهَةُ سُؤْرِهَا فَهُوَ قَوْلُهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ وَهَلْ كَرَاهِيَتُهُ عِنْدَهُمَا كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ أَوْ تَنْزِيهٍ الصَّحِيحُ أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَنْزِيَةٍ.
وَفِي الْهِدَايَةِ كَرَاهِيَتُهُ لِحُرْمَةِ لَحْمِهَا وَهُوَ قَوْلُ الطَّحَاوِيِّ، وَهَذَا يُشِيرُ إلَى الْقُرْبِ مِنْ كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ، وَقِيلَ لِعَدَمِ تَحَامِيهَا النَّجَاسَةَ وَهُوَ قَوْلُ الْكَرْخِيِّ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَهَذَا يُشِيرُ إلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيَةِ وَإِنَّمَا يُكْرَهُ الْوُضُوءُ بِسُؤْرِهَا عِنْدَهُمَا إذَا وُجِدَ غَيْرُهُ أَمَّا إذَا لَمْ يُوجَدْ لَا يُكْرَهُ، وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ سُؤْرُهَا نَجِسًا نَظَرًا إلَى اللَّحْمِ إلَّا أَنَّ الضَّرُورَةَ بِالطَّوْفِ أَسْقَطَتْ ذَلِكَ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إنَّهَا مِنْ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ وَالطَّوَّافَاتِ» فَإِنْ لَحِسَتْ الْهِرَّةُ عُضْوَ إنْسَانٍ يُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ مِنْ غَيْرِ غَسْلِهِ عِنْدَهُمَا وَكَذَا إذَا أَكَلَتْ مِنْ شَيْءٍ يُكْرَهُ أَكْلُ بَاقِيهِ قَالَ فِي الْكَامِلِ إنَّمَا يُكْرَهُ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْغَنِيِّ؛ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى بَدَلِهِ أَمَّا فِي حَقِّ الْفَقِيرِ لَا يُكْرَهُ لِلضَّرُورَةِ فَإِنْ أَكَلَتْ الْهِرَّةُ فَأْرَةً وَشَرِبَتْ عَلَى فَوْرِهَا تَنَجَّسَ الْمَاءُ إلَّا إذَا مَكَثَتْ سَاعَةً لِغَسْلِ فَمِهَا بِلُعَابِهَا
(قَوْلُهُ: وَالدَّجَاجَةُ الْمُخَلَّاةُ) لِأَنَّهَا تُخَالِطُ النَّجَاسَاتِ إذْ لَوْ كَانَتْ مَحْبُوسَةً بِحَيْثُ لَا يَصِلُ مِنْقَارُهَا إلَى مَا تَحْتَ قَدَمِهَا لَا يُكْرَهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهَا الطَّهَارَةُ نَظَرًا إلَى اللَّحْمِ بِخِلَافِ الْهِرَّةِ فَإِنَّهَا وَلَوْ حُبِسَتْ لَا تَزُولُ الْكَرَاهَةُ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَأْكُولَةِ اللَّحْمِ وَأَمَّا كَرَاهَةُ سُؤْرِ سِبَاعِ الطَّيْرِ فَلِأَنَّهَا تَأْكُلُ الْمَيْتَاتِ عَادَةً فَأَشْبَهَتْ الدَّجَاجَةَ الْمُخَلَّاةَ فَلَوْ حُبِسَتْ زَالَتْ الْكَرَاهَةُ؛ لِأَنَّهَا تَشْرَبُ بِمِنْقَارِهَا وَهُوَ عَظْمٌ بِخِلَافِ الْهِرَّةِ فَإِنَّهَا تَشْرَبُ بِلِسَانِهَا وَهُوَ لَحْمٌ وَالْعَظْمُ طَاهِرٌ بِخِلَافِ اللَّحْمِ فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ سُؤْرُهَا نَجِسًا نَظَرًا إلَى اللَّحْمِ كَسِبَاعِ الْبَهَائِمِ قِيلَ إنَّهَا تَشْرَبُ بِمَنَاقِيرِهَا وَالسِّبَاعُ بِأَلْسِنَتِهَا وَهِيَ رَطْبَةٌ بِلُعَابِهَا وَلِأَنَّ سِبَاعَ الطَّيْرِ يَتَحَقَّقُ فِيهَا الضَّرُورَةُ فَإِنَّهَا تَنْقَضُّ مِنْ الْهَوَاءِ فَتَشْرَبُ فَلَا يُمْكِنُ صَوْنُ الْأَوَانِي عَنْهَا.
(قَوْلُهُ: وَسُؤْرُ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ مَشْكُوكٌ فِيهِمَا) وَهَذَا هُوَ النَّوْعُ الْخَامِسُ مِنْ الْأَسْآرِ وَهَلْ الشَّكُّ فِي طَهَارَتِهِ أَوْ فِي طَهُورِيَّتِهِ قَالَ بَعْضُهُمْ فِي طَهَارَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ طَاهِرًا لَكَانَ طَهُورًا وَبِهَذَا قَطَعَ الصَّيْرَفِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَتَفْرِيعُهُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ الْعِرْقَ وَاللُّعَابَ يُعْفَى عَنْهُ فِي الْأَبْدَانِ وَالثِّيَابِ مَا لَمْ يُفْحِشْ لِلضَّرُورَةِ وَأَنَّ لَبَنَهُ نَجِسٌ حَتَّى لَوْ أَصَابَ الثَّوْبُ مِنْهُ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ مَنَعَ الصَّلَاةَ وَلَا يَجُوزُ شُرْبُهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ الشَّكُّ فِي طَهُورِيَّتِهِ وَلَا شَكَّ فِي كَوْنِهِ طَاهِرًا وَهُوَ اخْتِيَارُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَصَاحِبِ الْوَجِيزِ وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَتَفْرِيعُهُ عِنْدَهُمْ أَنَّ لَبَنَهُ وَعِرْقَهُ طَاهِرٌ وَلَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى الْمَاءِ نَصَّ عَلَى هَذَا فِي الْوَجِيزِ وَهَلْ يُطَهِّرُ النَّجَاسَةَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ، قَالَ بَعْضُهُمْ نَعَمْ وَقَالَ بَعْضُهُمْ حُكْمُهُ أَنَّهُ لَا يُطَهِّرُ النَّجِسَ وَلَا يُنَجِّسُ الطَّاهِرَ كَذَا فِي إيضَاحِ الصَّيْرَفِيِّ.
وَفِي الْهِدَايَةِ لَبَنُ الْحِمَارِ طَاهِرٌ وَكَذَا عَرَقُهُ طَاهِرٌ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ أَمَّا عَرَقُهُ فَصَحِيحٌ وَأَمَّا لَبَنُهُ فَغَيْرُ صَحِيحٍ بَلْ الرِّوَايَةُ فِي الْكُتُبِ الْمُعْتَبَرَةِ نَجَاسَتُهُ أَوْ تَسْوِيَةُ النَّجَاسَةِ وَالطَّهَارَةِ فِيهِ وَلَمْ يُرَجِّحْ جَانِبَ الطَّهَارَةِ أَحَدٌ إلَّا فِي رِوَايَةٍ غَيْرِ ظَاهِرَةٍ عَنْ مُحَمَّدٍ.
وَفِي الْمُحِيطِ لَبَنُ الْأَتَانِ نَجِسٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ طَاهِرٌ وَلَا يُؤْكَلُ قَالَ التُّمُرْتَاشِيُّ وَعَنْ الْبَزْدَوِيِّ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْكَثِيرُ الْفَاحِشُ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ نَجِسٌ نَجَاسَةً غَلِيظَةً؛ لِأَنَّهُ حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ وَعَرَقُ الْحِمَارِ طَاهِرٌ فِي الرِّوَايَاتِ الْمَشْهُورَةِ وَسُؤْرُ الْبَغْلِ مِثْلُ سُؤْرِ الْحِمَارِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ نَسْلِ الْحِمَارِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَتِهِ؛ لِأَنَّ أُمَّهُ مِنْ الْخَيْلِ وَأَبَاهُ مِنْ الْحَمِيرِ فَكَانَ كَسُؤْرِ فَرَسٍ خُلِطَ بِسُؤْرِ حِمَارٍ
(قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُمَا تَوَضَّأَ بِهِمَا وَتَيَمَّمَ وَأَيَّهُمَا قَدَّمَهُ جَازَ) وَقَالَ زُفَرُ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يُقَدِّمَ الْوُضُوءَ عَلَى التَّيَمُّمِ؛ لِأَنَّهُ مَاءٌ وَاجِبُ الِاسْتِعْمَالِ فَأَشْبَهَ الْمَاءَ الْمُطْلَقَ وَلَنَا أَنَّ الْمَطَرَ أَحَدُهُمَا فَيُفِيدُ الْجَمْعَ دُونَ التَّرْتِيبِ وَمَعْنَى قَوْلِهِمْ يُفِيدُ الْجَمْعَ أَيْ لَا تَخْلُو الصَّلَاةُ الْوَاحِدَةُ عَنْهُمَا، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الْجَمْعُ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ حَتَّى إنَّهُ لَوْ تَوَضَّأَ بِسُؤْرِ الْحِمَارِ وَصَلَّى ثُمَّ أَحْدَثَ وَتَيَمَّمَ وَصَلَّى تِلْكَ الصَّلَاةَ أَيْضًا جَازَ؛ لِأَنَّهُ جَمَعَ الْوُضُوءَ وَالتَّيَمُّمَ فِي حَقِّ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَعَنْ نُصَيْرِ بْنِ يَحْيَى فِي رَجُلٍ لَمْ يَجِدْ إلَّا سُؤْرَ حِمَارٍ قَالَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute