يَرْهَنَ جَمِيعَ الْعَيْنِ، ثُمَّ تَفَاسَخَا فِي الْبَعْضِ، أَوْ يَبِيعَ الرَّاهِنُ، أَوْ وَكِيلُهُ نِصْفَ الرَّهْنِ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ، أَوْ يُسْتَحَقَّ نِصْفُهُ فَيَبْطُلَ الرَّهْنُ فِي الْبَاقِي وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الطَّارِئَ لَا يُؤَثِّرُ فِي الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْبَقَاءِ أَسْهَلُ مِنْ حُكْمِ الِابْتِدَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّ مُعْتَدَّةَ الْغَيْرِ لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَحَلًّا لِلنِّكَاحِ ابْتِدَاءً وَيَبْقَى النِّكَاحُ فِي حَقِّهَا بِأَنْ وُطِئَتْ امْرَأَةُ الرَّجُلِ بِشُبْهَةٍ تَعْتَدُّ لِذَلِكَ الْوَطْءِ وَلَا يَبْطُلُ النِّكَاحُ وَكَالشُّيُوعِ الطَّارِئِ فِي الْهِبَةِ لَا يَمْنَعُ صِحَّتَهَا بَقَاءً وَيَمْنَعُ صِحَّتَهَا ابْتِدَاءً وَلَنَا أَنَّ الْإِشَاعَةَ إنَّمَا أَثَّرَتْ فِي الِابْتِدَاءِ؛ لِأَنَّهَا تَمْنَعُ اسْتِدَامَةَ الْقَبْضِ عَلَى وَجْهِ الرَّهْنِ وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي الطَّارِئَةِ بِخِلَافِ الْهِبَةِ؛ لِأَنَّ الْمُشَاعَ يَقْبَلُ حُكْمَهَا وَهُوَ الْمِلْكُ فَإِنَّ مُوجَبَ الْعَقْدِ فِيهَا الْمِلْكُ وَالْقَبْضُ شَرْطُ تَمَامِ ذَلِكَ الْعَقْدِ، وَالْمِلْكُ يَقْبَلُ الشُّيُوعَ وَلِهَذَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ فِي بَعْضِ الْهِبَةِ وَلَا يَجُوزُ فَسْخُ الْعَقْدِ فِي بَعْضِ الرَّهْنِ. قَوْلُهُ:
(وَلَا رَهْنُ ثَمَرَةٍ عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ دُونَ النَّخْلِ وَلَا زَرْعٍ فِي الْأَرْضِ دُونَ الْأَرْضِ وَلَا رَهْنُ الْأَرْضِ وَالنَّخْلِ دُونَهُمَا) ؛ لِأَنَّ الْمَرْهُونَ مُتَّصِلٌ بِمَا لَيْسَ بِمَرْهُونٍ خِلْقَةً فَكَانَ فِي مَعْنَى الشَّائِعِ فَصَارَ الْأَصْلُ أَنَّ الْمَوْهُوبَ إذَا كَانَ مُتَّصِلًا بِمَا لَيْسَ بِمَرْهُونٍ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ قَبْضُ الْمَرْهُونِ وَحْدَهُ وَلَوْ رَهَنَ النَّخِيلَ بِمَوَاضِعِهَا جَازَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ مُجَاوَرَةٌ وَهِيَ لَا تَمْنَعُ الصِّحَّةَ وَلَوْ كَانَ فِيهَا ثَمَرٌ يَدْخُلُ فِي الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِاتِّصَالِهِ بِهِ فَيَدْخُلُ تَبَعًا تَصْحِيحًا لِلْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَدْخُلْ الثَّمَرُ فِي رَهْنِ النَّخْلِ كَانَ فِي مَعْنَى رَهْنِ الْمُشَاعِ مِنْ أَنَّ دُخُولَ الثَّمَرِ فِي الرَّهْنِ لَا يَكُونُ عَلَى الرَّاهِنِ فِيهِ ضَرَرٌ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ لَا يَزُولُ عَنْهُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ حَيْثُ لَا يَدْخُلُ الثَّمَرُ هُنَاكَ فِي بَيْعِ النَّخْلِ إلَّا بِالتَّسْمِيَةِ؛ لِأَنَّ تَصْحِيحَ عَقْدِ الْبَيْعِ فِي النَّخْلِ بِدُونِ الثِّمَارِ مُمْكِنٌ؛ لِأَنَّ الشُّيُوعَ الطَّارِئَ وَالْمُقَارِنَ غَيْرُ مَانِعٍ لِصِحَّةِ الْبَيْعِ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ إذَا رَهَنَ أَرْضًا، وَفِيهَا زَرْعٌ، أَوْ نَخْلٌ، أَوْ شَجَرٌ وَعَلَى الْأَشْجَارِ ثَمَرٌ. وَقَالَ رَهَنْتُك هَذِهِ الْأَرْضَ وَأَطْلَقَ وَلَمْ يَخُصَّ شَيْئًا وَسَلَّمَهَا إلَى الْمُرْتَهِنِ فَالرَّهْنُ صَحِيحٌ وَيَدْخُلُ فِي الرَّهْنِ الزَّرْعُ وَالنَّخْلُ وَالْكَرْمُ وَالرَّطْبَةُ وَالتَّمْرُ وَكُلُّ مَا كَانَ مُتَّصِلًا بِالْأَرْضِ لِأَنَّهُمَا قَصَدَا الصِّحَّةَ وَلَا صِحَّةَ لَهُ إلَّا بِدُخُولِ الْمُتَّصِلِ بِهَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّ الزَّرْعَ وَالثَّمَرَ لَا يَدْخُلُ فِيهِ إلَّا بِالشَّرْطِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَصِحُّ بِدُونِهِ، ثُمَّ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَبِيعَ مِنْ الثِّمَارِ مَا يَخَافُ عَلَيْهِ الْفَسَادَ بِأَمْرِ الْحَاكِمِ فَإِنْ بَاعَهَا بِغَيْرِ أَمْرِهِ ضَمِنَ وَلَوْ رَهَنَ الْأَرْضَ دُونَ مَا فِيهَا مِنْ الزَّرْعِ، أَوْ النَّخْلِ، أَوْ الشَّجَرِ، أَوْ النَّخْلَ دُونَ مَا فِيهِ مِنْ الثَّمَرِ، أَوْ الثَّمَرَ دُونَ الشَّجَرِ، أَوْ الزَّرْعَ دُونَ الْأَرْضِ فَالرَّهْنُ بَاطِلٌ وَلَوْ رَهَنَ دَارًا فِيهَا مَتَاعٌ دُونَ الْمَتَاعِ وَسَلَّمَ الدَّارَ إلَى الْمُرْتَهِنِ مَعَ الْمَتَاعِ، أَوْ بِدُونِ الْمَتَاعِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ وَكَذَا إذَا رَهَنَهُ الْحَانُوتَ، وَفِيهِ الْمَتَاعُ دُونَ مَا فِيهِ مِنْ الْمَتَاعِ، أَوْ رَهَنَهُ الْجَوَالِقَ دُونَ مَا فِيهَا لَمْ يَصِحَّ الرَّهْنُ.
وَإِنْ وَهَبَهُ الْمَتَاعَ الَّذِي فِي الدَّارِ دُونَ الدَّارِ، أَوْ الْمَتَاعَ الَّذِي فِي الْجَوَالِقِ دُونَ الْجَوَالِقِ وَخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُرْتَهِنِ صَحَّ الرَّهْنُ وَالتَّسْلِيمُ؛ لِأَنَّ الْمَتَاعَ لَا يَكُونُ مَشْغُولًا بِالدَّارِ، وَالْوِعَاءِ وَيُمْنَعُ تَسْلِيمُ الدَّابَّةِ الْمَرْهُونَةِ بِالْحِمْلِ عَلَيْهَا فَلَا يَتِمُّ التَّسْلِيمُ حَتَّى يُلْقِيَ الْحِمْلَ عَنْهَا؛ لِأَنَّهُ شَاغِلٌ لَهَا بِخِلَافِ مَا إذَا رَهَنَ الْحِمْلَ دُونَهَا حَيْثُ يَكُونُ رَهْنًا إذَا دَفَعَهَا إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الدَّابَّةَ غَيْرُ مَشْغُولَةٍ بِهِ وَلَوْ رَهَنَ سَرْجًا عَلَى دَابَّةٍ، أَوْ لِجَامًا فِي رَأْسِهَا وَدَفَعَ الدَّابَّةَ مَعَ السَّرْجِ وَاللِّجَامِ لَا يَكُونُ رَهْنًا حَتَّى يَنْزِعَهُ مِنْهَا، ثُمَّ يُسَلِّمَهُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِ الدَّابَّةِ بِمَنْزِلَةِ الثَّمَرِ لِلنَّخْلِ حَتَّى قَالُوا يَدْخُلُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَيَمْنَعُ التَّسْلِيمَ كَوْنُ الرَّاهِنِ، أَوْ مَتَاعِهِ فِي الدَّارِ الْمَرْهُونَةِ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إذَا رَهَنَ دَارًا وَهُمَا فِي جَوْفِهَا وَقَالَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ سَلَّمْتهَا إلَيْك لَمْ يَتِمَّ الرَّهْنُ حَتَّى يَقُولَ بَعْدَمَا يَخْرُجُ مِنْ الدَّارِ سَلَّمْتهَا إلَيْكَ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ إذَا كَانَ فِيهَا فَلَيْسَ بِمُسَلِّمٍ فَإِذَا خَرَجَ يُحْتَاجُ إلَى تَسْلِيمٍ جَدِيدٍ؛ لِأَنَّهُ شَاغِلٌ لَهَا كَذَا فِي النِّهَايَةِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَصِحُّ الرَّهْنُ بِالْأَمَانَاتِ كَالْوَدَائِعِ وَالْعَوَارِيّ، وَالْمُضَارَبَاتِ وَمَالِ الشَّرِكَةِ) فَإِنْ رَهَنَ بِهَا فَالرَّهْنُ بَاطِلٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ضَمَانٌ كَالرَّهْنِ بِالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ فَإِنْ أَخَذَ بِهَا رَهْنًا فَهَلَكَ فِي يَدِهِ قَبْلَ الْحَبْسِ هَلَكَ أَمَانَةً وَإِنْ هَلَكَ بَعْدَ الْحَبْسِ ضُمِنَ ضَمَانَ الْغَصْبِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الرَّهْنَ عِنْدَنَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ؛ رَهْنٍ صَحِيحٍ وَهُوَ الرَّهْنُ بِالدَّيْنِ وَالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِأَنْفُسِهَا، وَرَهْنٍ فَاسِدٍ كَالرَّهْنِ بِالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ، وَرَهْنٍ بَاطِلٍ كَالرَّهْنِ بِالْأَمَانَاتِ، وَالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِغَيْرِهَا وَبِالدَّرَكِ فَالصَّحِيحُ، وَالْفَاسِدُ يَتَعَلَّقُ بِهِمَا الضَّمَانُ كَمَا يَتَعَلَّقُ بِالْبَيْعِ الصَّحِيحِ، وَالْفَاسِدِ، وَالْبَاطِلُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ضَمَانٌ كَالْبَيْعِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute